فصل: ثاني عشر: الحمد عند موت الولد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


حمالة

التّعريف

1 - الحمالة بفتح الحاء هي الدّية والغرامة الّتي يتحمّلها الإنسان عن غيره، ويقال‏:‏ حمال أيضاً وجمعها حمالات وحمل‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ ما يتحمّله الإنسان، ويلتزمه في ذمّته بالاستدانة ليدفعه في إصلاح ذات البين، مثل أن تقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدّماء، ويتلف فيها نفس أو مال، فيسعى إنسان في الإصلاح بينهم، ويتحمّل الدّماء الّتي بينهم والأموال‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الكفالة‏:‏

2 - الكفالة في اللّغة‏:‏ بمعنى الضّمّ، ومنه قوله تعالى ‏{‏وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا‏}‏ أي ضمّها إليه وألزمه كفالتها‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا وأشار بأصبعيه السّبّابة والوسطى» أي الّذي يضمّه إليه في التّربية‏.‏ ويسمّى النّصيب كفلاً، لأنّ صاحبه يضمّه إليه‏.‏ وأمّا في الاصطلاح فالكفالة عند الحنفيّة‏:‏ ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة الأصيل في المطالبة مطلقاً أي‏:‏ سواء كان بنفس أو بدين أو عين كالمغصوب ونحوه‏.‏ فالكفيل والضّمين، والقبيل، والحميل، والغريم بمعنًى واحد‏.‏

ويرى المالكيّة، والشّافعيّة في المشهور، والحنابلة أنّ الكفالة هي أن يلتزم الرّشيد بإحضار بدن من يلزم حضوره في مجلس الحكم‏.‏

فالحنفيّة يطلقون الكفالة على كفالة المال والوجه، والمالكيّة والشّافعيّة يقسمون الضّمان إلى ضمان المال وضمان الوجه‏.‏

ويطلق الشّافعيّة الكفالة على ضمان الأعيان البدنيّة‏.‏

وأمّا عند الحنابلة‏:‏ فالضّمان يكون التزام حقّ في ذمّة شخص آخر، والكفالة التزام بحضور بدنه إلى مجلس الحكم‏.‏

الضّمان‏:‏

3 - الضّمان في اللّغة‏:‏ من ضمن المال وبه ضمانًا أي التزمه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو ضمّ ذمّة الضّامن إلى ذمّة المضمون عنه في التزام الحقّ‏.‏

والفرق بين الضّمان والحمالة، هو أنّ الحمالة ضمان الدّية وغيرها لإصلاح ذات البين، والضّمان يكون في ذلك وفي غيره، فالضّمان أعمّ من الحمالة‏.‏

مشروعيّة الحمالة

4 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحمالة أمر مشروع، وهي من مكارم الأخلاق‏.‏

وكانت العرب تعرف الحمالة، فإذا وقعت بينهم فتنة اقتضت غرامةً في دية أو غيرها، قام أحدهم فتبرّع بالتزام ذلك حتّى ترتفع تلك الفتنة الثّائرة‏.‏

وكانوا إذا علموا أنّ أحدهم تحمّل حمالةً بادروا إلى معونته، وأعطوه ما تبرأ به ذمّته‏.‏

وإذا سأل لذلك لم يعدّ نقصاً في قدره، بل فخراً‏.‏ وسمّي قتادة بن أبي أوفى رضي الله عنه صاحب الحمالة، لأنّه تحمّل بحمالات كثيرة، فسأل فيها وأدّاها‏.‏

والأصل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَينكُمْ‏}‏‏.‏

وما روي عن قبيصة بن مخارق الهلاليّ قال‏:‏ «تحمّلت حمالةً فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أسأله فيها‏.‏ فقال‏:‏ أقم حتّى تأتينا الصّدقة فنأمر لك بها‏.‏ قال‏:‏ ثمّ قال يا قبيصة‏:‏ إنّ المسألة لا تحلّ إلاّ لأحد ثلاثة‏:‏ رجل تحمّل حمالةً فحلّت له المسألة حتّى يصيبها قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش ورجل أصابته فاقة حتّى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه‏:‏ لقد أصابت فلاناً فاقة فحلّت له المسألة، حتّى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهنّ من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً»‏.‏

أحكام الحمالة

أ - دفع الزّكاة للحميل‏:‏

5 - ذهب الفقهاء إلى جواز دفع الزّكاة للحميل إذا استدان لإصلاح ذات البين بسبب إتلاف نفس، أو مال، أو نهب بشرط أن يكون فقيراً، قال الحنابلة‏:‏ ولو كان الإصلاح بين أهل الذّمّة‏.‏ واختلفوا فيما إذا كان غنيّاً‏:‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يعطى من سهم الغارمين وإن كان غنيّاً، وبهذا قال إسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وابن المنذر‏.‏

واستدلّوا بما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «لا تحلّ الصّدقة لغنيّ إلاّ لخمسة‏:‏ لغاز في سبيل اللّه، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدّق على المسكين فأهداها المسكين للغنيّ» فيجوز للمتحمّل في صلاح وبرّ إذا استدان مالًا لتسكين الثّائرة بين شخصين أو قبيلتين أن يقضي ذلك ممّا يأخذه من الزّكاة وإن كان غنيّاً إذا كان يجحف بماله كالغريم‏.‏

ولأنّ الحميل قد يلتزم بمثل ذلك المال الكثير، وقد أتى معروفاً عظيماً، وابتغى صلاحاً عامّاً، فكان من المعروف حمله عنه من الزّكاة وتوفير ماله عليه، لئلاّ يجحف بمال المصلحين، أو يوهن عزائمهم عن تسكين الفتن، وكفّ المفاسد، فيدفع إليه ما يؤدّي حمالته وإن كان غنيّاً‏.‏ وأمّا إن استدان الحمالة وأدّاها جاز له الأخذ من الزّكاة، لأنّ الغرم باق، والمطالبة قائمة، فلم يخرج عن كونه مدينًا بسبب الحمالة‏.‏

وإن أدّى الحمالة من ماله لم يكن له أن يأخذ، لأنّه قد سقط الغرم، فخرج عن كونه مديناً‏.‏ ولا تعتبر الغرامة لمصلحة نفسه حمالةً، ولا تأخذ حكمها، لأنّ الغارم لمصلحة نفسه يأخذ لحاجة نفسه، فاعتبرت حاجته كالفقير والمسكين، وأمّا الغارم في الحمالة فيأخذ لإخماد الفتنة فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي والعامل‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّه لا تدفع الزّكاة إلاّ لحميل فقير، لأنّ من تجب عليه الزّكاة لا تحلّ له كسائر أصناف مصارف الزّكاة‏.‏ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه‏:‏ «وأعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقةً في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردّ في فقرائهم»‏.‏

إباحة السّؤال لأجل الحمالة

6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من تحمّل بسبب إتلاف نفس أو مال، ديةً أو مالاً لتسكين فتنة وقعت بين طائفتين يجوز له أن يسأل حتّى يؤدّي‏.‏

واستدلّوا على ذلك بحديث قبيصة بن المخارق السّابق‏.‏

وبحديث أنس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ المسألة لا تحلّ إلاّ لثلاثة‏:‏ لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع»‏.‏

حمد

التّعريف

1 - الحمد لغةً‏:‏ نقيض الذّمّ، ومنه المحمدة خلاف المذمّة‏.‏

وهو الشّكر والرّضا والجزاء وقضاء الحقّ، أو‏:‏ الثّناء الكامل، أو‏:‏ الثّناء بالكلام أو باللّسان على جميل اختياريّ على جهة التّعظيم، كان نعمةً كالعطايا أو لا، كالعبادات، أو هو‏:‏ الثّناء على المحمود بجمال صفاته وأفعاله‏.‏

قال الجرجانيّ‏:‏ الحمد هو الثّناء على الجميل من جهة التّعظيم من نعمة وغيرها وقسّمه - كما فعل أبو البقاء وغيره - خمسة أقسام‏.‏

- 1 - الحمد اللّغويّ‏:‏ وهو الوصف بالجميل على جهة التّعظيم والتّبجيل باللّسان وحده‏.‏

- 2 - الحمد العرفيّ‏:‏ وهو فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعماً، وهو أعمّ من أن يكون فعل اللّسان أو الأركان أو الجنان‏.‏

- 3 - الحمد القوليّ‏:‏ وهو حمد اللّسان وثناؤه على الحقّ بما أثنى به على نفسه على لسان أنبيائه‏.‏

- 4 - الحمد الفعليّ‏:‏ وهو الإتيان بالأعمال البدنيّة ابتغاء وجه اللّه تعالى‏.‏

- 5 - الحمد الحاليّ‏:‏ وهو الّذي يكون بحسب الرّوح والقلب، كالاتّصاف بالكمالات العلميّة والعمليّة والتّخلّق بالأخلاق الإلهيّة‏.‏

2 - والحمد على الإطلاق يكون للّه تعالى فهو سبحانه يستحقّ الحمد بأجمعه، إذ له الأسماء الحسنى والصّفات العلا، ولا يجوز الحمد على الإطلاق إلاّ للّه تعالى، لأنّ كلّ إحسان هو منه في الفعل أو التّسبّب‏.‏

وحمد اللّه تعالى عبارة عن تعريفه وتوصيفه بنعوت جلاله وصفات جماله وسمات كماله الجامع لها، سواء كان بالحال أو بالمقال، وهو معنًى يعمّ الثّناء بأسمائه فهي جليلة، والشّكر على نعمائه فهي جزيلة، والرّضا بأقضيته فهي حميدة، والمدح بأفعاله فهي جميلة‏.‏ والتّحميد‏:‏ حمد اللّه تعالى مرّةً بعد مرّة، أو كما قال الأزهريّ‏:‏ كثرة حمد اللّه سبحانه بالمحامد الحسنة، والتّحميد أبلغ من الحمد‏.‏

3 - والمقام المحمود الّذي ورد في حديث‏:‏ «اللّهمّ آت محمّداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً» هو المقام الّذي يحمده فيه جميع الخلق لشفاعته لتعجيل الحساب والإراحة من طول الوقوف‏.‏

ولواء الحمد الّذي ورد في حديث‏:‏ «إنّي لأوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر» المراد به انفراده صلى الله عليه وسلم بالحمد على رؤوس الخلق يوم القيامة وشهرته به، والعرب تضع اللّواء في موضع الشّهرة، وقال الطّيبيّ‏:‏ ويحتمل أن يكون لحمده يوم القيامة لواء حقيقةً يسمّى لواء الحمد‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ أو العرفيّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الثّناء‏:‏

4 - هو ما يوصف به الإنسان من مدح أو ذمّ، وخصّ بعضهم به المدح، وقال الفيروزآبادي‏:‏ هو وصف بمدح أو ذمّ، أو خاصّ بالمدح، وقال أبو البقاء‏:‏ هو الكلام الجميل، وقيل‏:‏ هو الذّكر بالخير، وقيل‏.‏ يستعمل في الخير والشّرّ على سبيل الحقيقة، وهو في عرف الجمهور حقيقة في الخير ومجاز في الشّرّ‏.‏ وقيل‏:‏ هو الإتيان بما يشعر التّعظيم مطلقًا، سواء كان باللّسان أو بالجنان أو بالأركان، وسواء أكان في مقابلة شيء أم لا فيشمل الحمد والشّكر والمدح وهو المشهور بين الجمهور‏.‏

الشّكر‏:‏

5 - هو في اللّغة‏:‏ عرفان الإحسان ونشره، أو هو‏:‏ الاعتراف بالنّعمة على جهة التّعظيم للمنعم، أو هو‏:‏ الثّناء على المحسن بما قدّم من المعروف، أو هو‏:‏ الاعتراف بالنّعمة وفعل ما يجب لها، يقال‏:‏ شكرت للّه أي اعترفت بنعمته وفعلت ما يجب من الطّاعة وترك المعصية، أو هو‏:‏ مقابلة النّعمة بالقول والفعل والنّيّة، فيثني على المنعم بلسانه، وينيب نفسه في طاعته، ويعتقد أنّه مولّيها‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن ذلك‏.‏

واختلف في الصّلة بين الشّكر والحمد، فقيل‏:‏ إنّهما بمعنًى واحد، وقيل‏:‏ إنّ الشّكر أعمّ من الحمد، لأنّه باللّسان وبالجوارح وبالقلب، والحمد إنّما يكون باللّسان خاصّةً، وقيل‏:‏ الحمد أعمّ‏.‏ قال القرطبيّ‏:‏ الصّحيح أنّ الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشّكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان، وعلى هذا الحدّ قال علماؤنا‏:‏ الحمد أعمّ من الشّكر‏.‏

المدح‏:‏

6 - هو في اللّغة‏:‏ الثّناء الحسن، أو الثّناء على الممدوح بما فيه من الصّفات الجميلة خلقيّةً كانت أو اختياريّةً‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ هو الثّناء باللّسان على الجميل الاختياريّ قصداً‏.‏ قال الرّاغب‏:‏ والحمد أخصّ من المدح وأعمّ من الشّكر، فإنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، وممّا يقال منه وفيه بالتّسخير فقد يمدح الإنسان بطول قامة وصباحة وجهه كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه‏.‏ و

الحمد يكون في الثّاني دون الأوّل، والشّكر لا يقال إلاّ في مقابلة نعمة‏.‏ فكلّ شكر حمد، وليس كلّ حمد شكرًا، وكلّ حمد مدح وليس كلّ مدح حمداً‏.‏

الحكم التكليفي

7 - الحمد يكون للّه عزّ وجلّ، وهو كلّه وبإطلاق له سبحانه، لأنّه تعالى المستحقّ للحمد ذاتًا وصفات ولا شيء منه لغيره في الحقيقة‏.‏

وقد يحمد الإنسان نفسه فيثني عليها ويزكّيها، وقد يحمد غيره فيثني عليه ويمدحه‏.‏

حمد الإنسان نفسه

8 - نهى اللّه تعالى أن يحمد الإنسان نفسه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى‏}‏ وقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً‏}‏ وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تزكّوا أنفسكم، اللّه أعلم بأهل البرّ منكم»‏.‏ لكن إن احتاج الإنسان إلى بيان فضله والتّعريف بما عنده من القدرات فلا بأس بذلك‏.‏ كما قال يوسف عليه السلام‏:‏ ‏{‏اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏مدح - تزكية‏)‏‏.‏

حمد الإنسان غيره

حمد الإنسان غيره وثناؤه عليه ومدحه إيّاه منهيّ عنه شرعاً من حيث الجملة، وبخاصّة إذا كان بما ليس فيه، ففي البخاريّ من حديث أبي بكرة «أنّ رجلًا ذكر عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيراً، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ويحك قطعت عنق صاحبك - يقوله مراراً - إن كان أحدكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل‏:‏ أحسب فلاناً كذا وكذا إن كان يرى أنّه كذلك، ولا أزكّي على اللّه أحداً»‏.‏ وللتّفصيل ينظر مصطلح ‏(‏مدح‏)‏‏.‏

حمد اللّه تعالى

9 - حمد اللّه تعالى مطلوب شرعاً، ورد بذلك الكتاب والسّنّة، ومنه قول اللّه تعالى‏:‏ للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قُل الحَمدُ لِلَّهِ‏}‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع»‏.‏ وقد حمد اللّه تعالى نفسه وافتتح كتابه بحمده فقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ‏}‏‏.‏ وحكم حمد اللّه تعالى يتعدّد بتعدّد مواطنه على النّحو التّالي‏:‏

أوّلاً‏:‏ الابتداء بالحمد

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الابتداء بحمد اللّه تعالى في الأمور المهمّة مندوب اقتداءً بكتاب اللّه تعالى، وعملاً بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد اللّه تعالى فهو أقطع» فيستحبّ البداءة بالحمد لكلّ مصنّف، ودارس، ومدرّس، وخطيب، وخاطب، وبين يدي سائر الأمور المهمّة، قال الشّافعيّ‏:‏ أحبّ أن يقدّم المرء بين يدي خطبته وكلّ أمر طلبه حمد اللّه تعالى والثّناء عليه سبحانه وتعالى والصّلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ الحمدلة تجب في الصّلاة، وتسنّ في الخطب، وقبل الدّعاء، وبعد الأكل، وتباح بلا سبب، وتكره في الأماكن المستقذرة، وتحرم بعد أكل الحرام‏.‏

وفي فتح الباري أنّ البسملة للكتب والوثائق والرّسائل، كما في كتب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وما كتبه في صلح الحديبية، وأنّ الحمد للخطب‏.‏

ثانياً‏:‏ الحمد في دعاء الاستفتاح

11 - ورد الحمد في دعاء الاستفتاح الّذي جاءت فيه - كما قال النّوويّ - أحاديث كثيرة يقتضي مجموعها أن يقول المصلّي في استفتاح الصّلاة‏:‏ «اللّه أكبر كبيراً، والحمد للّه كثيراً، وسبحان اللّه بكرةً وأصيلاً‏.‏‏.‏‏.‏ الخ»‏.‏

وكلّ هذا ثابت في الصّحيح عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أصحّ ما روي فيه عن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنّه كبّر ثمّ قال‏:‏ سبحانك اللّهمّ وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك‏.‏

وروي مرفوعاً بأسانيد ضعيفة‏.‏ وتفصيل المأثور في دعاء الاستفتاح، وحكمه، وموضعه من الصّلوات ينظر في ‏(‏استفتاح، وتحميد‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ قراءة سورة الحمد في الصّلاة

12 - سورة الحمد - كما تقدّم - هي سورة الفاتحة، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ قراءتها في الصّلاة فرض، وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تتعيّن قراءة الفاتحة بل تستحبّ، وفي رواية عنه تجب ولو قرأ غيرها من القرآن أجزأه‏.‏

وفي المسألة تفصيل ينظر في ‏(‏صلاة، وفاتحة‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ الحمد في الرّكوع والسّجود

13 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الأولى أن يقول المصلّي في التّسبيح المندوب في الرّكوع‏:‏ سبحان ربّي العظيم وبحمده، وفي السّجود، سبحان ربّي الأعلى وبحمده‏.‏

وفي الصّحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ سبحانك اللّهمّ ربّنا وبحمدك اللّهمّ اغفر لي»‏.‏

والأفضل عند الحنابلة الاقتصار على ‏"‏ سبحان ربّي العظيم ‏"‏ في الرّكوع وعلى ‏"‏ سبحان ربّي الأعلى ‏"‏ في السّجود من غير زيادة وبحمده‏.‏

ولم يتعرّض الحنفيّة لزيادة لفظ ‏(‏وبحمده‏)‏ في أيّ من الرّكوع أو السّجود‏.‏

وفي تفصيل مذاهب الفقهاء في حكم التّسبيح في الرّكوع والسّجود ينظر مصطلح ‏(‏تسبيح‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ الحمد في الرّفع بعد الرّكوع

14 - ذهب المالكيّة وأبو حنيفة إلى من كان إماماً يقول في الرّفع بعد الرّكوع‏:‏ سمع اللّه لمن حمده ولا يقول ربّنا لك الحمد‏.‏

وقال أبو يوسف ومحمّد‏:‏ يجمع بين التّسميع والتّحميد، وروي عن أبي حنيفة مثل قولهما‏.‏ احتجّ أبو حنيفة بما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال‏:‏ ولا الضّالّين فقولوا‏:‏ آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال‏:‏ سمع اللّه لمن حمده فقولوا‏:‏ ربّنا لك الحمد» قسم التّحميد والتّسميع بين الإمام والقوم فجعل التّحميد لهم والتّسميع له، وفي الجمع بين الذّكرين من أحد الجانبين إبطال هذه القسمة، ولأنّ إتيان الإمام بالحمد يؤدّي إلى جعل التّابع متبوعاً تابعاً، وهذا لا يجوز، بيان ذلك أنّ الذّكر يقارن الانتقال، فإذا قال الإمام‏:‏ سمع اللّه لمن حمده، يقول المقتدي مقارناً له‏:‏ ربّنا لك الحمد، فلو قالها الإمام بعد ذلك لوقع قوله بعد قول المقتدي، فينقلب المتبوع تابعاً والتّابع متبوعاً، ومراعاة التّبعيّة في جميع أجزاء الصّلاة واجبة بقدر الإمكان‏.‏

وإن كان المصلّي مقتدياً يأتي بالحمد لا غير‏.‏ وإن كان منفردًا يجمع بينهما على المعتمد من أقوال ثلاثة مصحّحة، أحدها هذا، والثّاني أنّه كالمؤتمّ، والثّالث أنّه كالإمام‏.‏

15 - واختلف في المختار من ألفاظ الحمد عند الحنفيّة‏:‏ قال الحصكفيّ‏:‏ أفضله‏:‏ اللّهمّ ربّنا ولك الحمد، ثمّ حذف الواو، ثمّ حذف اللّهمّ فقط، وأضاف ابن عابدين‏:‏ وبقي رابعة هي‏:‏ حذف اللّهمّ والواو، ثمّ قال‏:‏ الأربعة في الأفضليّة على هذا التّرتيب كما أفاده بالعطف بثمّ‏.‏ قال الكاسانيّ‏:‏ والأشهر ربّنا لك الحمد‏.‏

16 - وأمّا المقتدي فيندب له أن يقول‏:‏ ربّنا ولك الحمد بعد قول الإمام‏:‏ سمع اللّه لمن حمده‏.‏ والفذّ ‏(‏المنفرد‏)‏ يجمع بينهما، فهو مخاطب بسنّة ومندوب والتّرتيب بينهما مستحبّ على الظّاهر، فيسنّ له أن يقول‏:‏ سمع اللّه لمن حمده، ويندب له أن يقول بعد ذلك‏:‏ ربّنا ولك الحمد‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المصلّي إذا استوى قائماً من ركوعه استحبّ له أن يقول‏:‏ ربّنا لك الحمد حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه ملء السّموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثّناء والمجد، أحقّ ما قال العبد وكلّنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ، قال الشّافعيّ والأصحاب‏:‏ يستوي في استحباب هذه الأذكار كلّها الإمام والمأموم والمنفرد، يجمع كلّ واحد منهم بين قوله بسمع اللّه لمن حمده وربّنا لك الحمد إلى آخره‏.‏ والجمع بين التّسميع والتّحميد للإمام والمنفرد هو قول لأبي يوسف ومحمّد، واحتجّ أبو يوسف ومحمّد بما ورد «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الرّكوع قال‏:‏ سمع اللّه لمن حمده، ربّنا لك الحمد» وغالب أحواله صلى الله عليه وسلم أنّه كان هو الإمام، ولأنّ الإمام منفرد في حقّ نفسه، والمنفرد يجمع بين هذين الذّكرين فكذا الإمام، ولأنّ التّسميع تحريض على الحمد فلا ينبغي أن يأمر غيره بالبرّ وينسى نفسه كي لا يدخل تحت قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بالبِرِّ وَتَنْسَونَ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ قال ابن عابدين‏:‏ لكن المتون على قول الإمام‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ وهذا لا خلاف فيه عندنا، لكن قال الأصحاب‏:‏ إنّما يأتي الإمام بهذا كلّه إذا رضي المأمومون بالتّطويل وكانوا محصورين، فإن لم يكن كذلك اقتصر على قوله‏:‏ سمع اللّه لمن حمده ربّنا لك الحمد‏.‏

قال الشّافعيّ والأصحاب‏:‏ ولو قال‏:‏ ولك الحمد ربّنا أجزأه، لأنّه أتى باللّفظ والمعنى، ولكن الأفضل قوله‏:‏ ربّنا لك الحمد على التّرتيب الّذي وردت به السّنّة‏.‏

وقال صاحب الحاوي وغيره‏:‏ يستحبّ للإمام أن يجهر بقوله سمع اللّه لمن حمده ليسمع المأمومون ويعلموا انتقاله كما يجهر بالتّكبير، ويسرّ بقوله ربّنا لك الحمد لأنّه يفعله في الاعتدال فيسرّ به كالتّسبيح في الرّكوع والسّجود، وأمّا المأموم فيسرّ بهما كما يسرّ بالتّكبير، فإن أراد تبليغ غيره انتقال الإمام كما يبلّغ التّكبير جهر بقوله سمع اللّه لمن حمده، لأنّه المشروع في حال الارتفاع‏.‏

ولا يجهر بقوله ربّنا لك الحمد، لأنّه إنّما يشرع في حال الاعتدال‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا استتمّ المصلّي قائمًا من ركوعه قال‏:‏ ربّنا ولك الحمد ملء السّموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ سمع اللّه لمن حمده حين يرفع صلبه من الرّكوع ثمّ يقول وهو قائم‏:‏ ربّنا ولك الحمد» متّفق عليه، ولما روى عليّ رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الرّكوع قال‏:‏ اللّهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد»‏.‏

ونقل عن أحمد أنّ المصلّي إن شاء زاد على ذلك قوله‏:‏ «أهل الثّناء والمجد، أحقّ ما قال العبد، وكلّنا لك عبد، اللّهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقوله، أو يقول المصلّي غير ذلك ممّا ورد‏.‏

والصّحيح - عند الحنابلة - أنّ المنفرد يقول كما يقول الإمام، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم روي عنه أنّه قال لبريدة‏:‏ «إذا رفعت رأسك في الرّكوع فقل‏:‏ سمع اللّه لمن حمده، اللّهمّ ربّنا ولك الحمد، ملء السّماء وملء الأرض وملء ما شئت بعد» وهذا عامّ في جميع أحواله، وقد روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك ولم تفرّق الرّواية بين كونه إماماً ومنفرداً، ولأنّ ما شرع من القراءة والذّكر في حقّ الإمام شرع في حقّ المنفرد، كسائر الأذكار‏.‏ والمأموم يحمد - أي يقول‏:‏ ربّنا ولك الحمد - فقط في حال رفعه من الرّكوع، لما روى أنس وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا قال الإمام‏:‏ سمع اللّه لمن حمده فقولوا‏:‏ ربّنا ولك الحمد»‏.‏

فأمّا قول «ملء السّموات‏.‏‏.‏‏.‏» وما بعده فلا يسنّ للمأموم لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اقتصر على أمرهم بقول‏:‏ «ربّنا ولك الحمد» فدلّ على أنّه لا يشرع لهم سواه‏.‏

وللمصلّي - إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً - قول ‏"‏ ربّنا لك الحمد ‏"‏ بلا واو لورود الخبر بذلك، وبالواو أفضل للاتّفاق عليه من حديث ابن عمر وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم، ولكونه أكثر حروفاً، ويتضمّن الحمد مقدّراً ومظهراً، فإنّ التّقدير ربّنا حمدناك ولك الحمد، لأنّ الواو للعطف، ولمّا لم يكن في الظّاهر ما يعطف عليه دلّ على أنّ في الكلام مقدّراً‏.‏

وإن شاء المصلّي قال‏:‏ ‏"‏ اللّهمّ ربّنا لك الحمد ‏"‏ بلا واو، وهو أفضل منه مع الواو وإن شاء قاله بواو‏.‏ وذلك بحسب الرّوايات صحّةً وكثرةً وضدّهما‏.‏

وإذا رفع المصلّي رأسه من الرّكوع فعطس فقال‏:‏ ربّنا ولك الحمد، ينوي بذلك لما عطس وللرّفع، فروي عن أحمد أنّه لا يجزئه، لأنّه لم يخلصه للرّفع من الرّكوع‏.‏ وقال ابن قدامة‏:‏ والصّحيح أنّ هذا يجزئه، لأنّه ذكر لا تعتبر له النّيّة وقد أتى به فأجزأه، كما لو قاله ذاهلًا وقلبه غير حاضر، وقول أحمد يحمل على الاستحباب لا على نفي الإجزاء حقيقةً‏.‏

ويسنّ جهر الإمام بالتّسميع ليحمد المأموم عقبه، ولا يسنّ جهر الإمام بالتّحميد، لأنّه لا يعقبه من المأموم شيء فلا فائدة في الجهر به‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ مصطلح تحميد‏)‏‏.‏

سادساً‏:‏ الحمد بعد الصّلاة

17 - اتّفق الفقهاء على استحباب الحمد بعد الصّلاة، وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة منها‏:‏ ما رواه الشّيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصّلاة وسلّم قال‏:‏ لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، اللّهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» وما رواه الشّيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ «أنّ فقراء المهاجرين أتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ ذهب أصحاب الدّثور بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدّقون، قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألا أعلّمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلاّ من صنع ما صنعتم‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى يا رسول اللّه، قال‏:‏ تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثاً وثلاثين»‏.‏ وتفصيل هذا في مصطلح ‏(‏تحميد‏)‏‏.‏

سابعاً‏:‏ الحمد في الخطب المشروعة

18 - الحمد مطلوب في الخطب المشروعة، وهي عشر أو ثمان أو أدنى من ذلك أو أكثر، على تفصيل يذكر في موطنه، ومن ذلك‏:‏

أ - الحمد في خطبتي الجمعة‏:‏

19 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ لفظ الحمد لا يشترط في خطبة الجمعة، فلو ذكر الخطيب اللّه تعالى على قصد الخطبة بقوله‏:‏ الحمد للّه أو سبحان اللّه أو لا إله إلاّ اللّه جاز عنده في أركان الخطبة، أمّا إذا قال ذلك لعطاس أو تعجّب فلا يجوز، واستدلّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏‏.‏ من غير فصل، فكان الشّرط الذّكر الأعمّ‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ الحمد في خطبة الجمعة مندوب‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ من أركان خطبتي الجمعة حمد اللّه تعالى للاتّباع، روى مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «كانت خطبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد اللّه ويثني عليه»‏.‏ الحديث، ولفظ الحمد متعيّن للتّعبّد به، فلا يكفي نحو‏:‏ لا إله إلاّ اللّه ولا نحو‏:‏ الشّكر للّه، ولا غير لفظ اللّه كالرّحمن، ويكفي مصدر الحمد وما اشتقّ منه وإن تأخّر كـ ‏"‏ للّه الحمد ‏"‏‏.‏ والتّفصيل في صلاة الجمعة‏.‏

ب - الحمد في خطبتي العيدين‏:‏

20 - خطبتا العيدين كخطبتي الجمعة، لكنّهما بعد الصّلاة في العيدين، ويبدأ فيهما بالتّكبير، وحكم الحمد فيهما كحكمه في خطبتي الجمعة على الخلاف والتّفصيل السّابقين‏.‏

وتفصيله في صلاة العيد‏.‏

ج - الحمد في خطبتي الاستسقاء‏:‏

21 - اختلف الحنفيّة في خطبتي الاستسقاء، فذهب أبو حنيفة إلى أنّه لا خطبة في الاستسقاء، وذهب أبو يوسف إلى أنّ فيه خطبتين، وذهب محمّد إلى أنّ فيه خطبةً واحدةً‏.‏ وعندهما أنّه يبدأ بالتّحميد في الخطبة‏.‏

والحمد في خطبتي الاستسقاء عند المالكيّة كالحمد في خطبتي العيد‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ الحمد ركن من أركان خطبتي الاستسقاء‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ اختلفت الرّواية في الخطبة للاستسقاء وفي وقتها، والمشهور أنّ في صلاة الاستسقاء خطبةً واحدةً بعد الصّلاة كالعيدين لقول ابن عبّاس في وصف صلاة الاستسقاء‏:‏

«صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ركعتين كما كان يصلّي في العيد»‏.‏ وعلى ذلك يكون الحمد في خطبة الاستسقاء عندهم كالحمد في خطبة العيدين‏.‏ والتّفصيل في استسقاء‏.‏

د - الحمد في خطبتي الكسوف‏:‏

22 - خطبة الكسوف مستحبّة عند الشّافعيّة والحمد فيها ركن عندهم لفعله صلى الله عليه وسلم خلافاً لجمهور الفقهاء الّذين يقولون‏:‏ إنّه لا خطبة في كسوف الشّمس، ولا في خسوف القمر بل صلاة ودعاء وتكبير وصدقة‏.‏ كما ورد في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات اللّه، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللّه، وكبّروا، وصلّوا، وتصدّقوا»‏.‏

هـ - الحمد في خطب النّكاح‏:‏

23 - اتّفق الفقهاء على ندب الحمد في خطب النّكاح ‏"‏ عند التماس الخطبة، وعند الإجابة إليها، وعند الإيجاب في عقد النّكاح، وعند القبول فيه ‏"‏ لحديث‏:‏ «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد اللّه تعالى فهو أقطع» وخصّ بعضهم لخطبة النّكاح لفظ خطبة ابن مسعود الّذي فيه‏:‏ إنّ الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره‏.‏

و - الحمد في خطب الحجّ‏:‏

24 - اتّفق جمهور الفقهاء على ندب الحمد في خطب الحجّ ‏"‏ وهي‏:‏ يوم السّابع بمكّة، ويوم عرفة، ويوم العيد بمنًى، وثاني أيّام التّشريق بمنىً ‏"‏‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الحمد في هذه الخطب ركن من أركانها يأتي به الخطيب وجوباً‏.‏

ثامناً‏:‏ الحمد في بدء الدّعاء وختمه

25 - قال النّوويّ‏:‏ أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدّعاء بالحمد للّه تعالى والثّناء عليه، ثمّ الصّلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وكذلك يختم الدّعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة، منها ما روي عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجّد اللّه تعالى ولم يصلّ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ عجّل هذا ثمّ دعاه فقال له أو لغيره‏:‏ إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربّه عزّ وجلّ والثّناء عليه، ثمّ يصلّي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ يدعو بعد بما شاء»‏.‏

وقال القرطبيّ‏:‏ يستحبّ للدّاعي أن يقول في آخر دعائه كما قال أهل الجنّة‏:‏ ‏{‏وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

تاسعاً‏:‏ الحمد عند حصول نعمة أو اندفاع مكروه

26 - قال النّوويّ‏:‏ يستحبّ لمن تجدّدت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة، أن يسجد شكراً للّه تعالى، وأن يحمد اللّه تعالى أو يثني عليه بما هو أهله، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة، منها «ما روي عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّ عمر أرسل ابنه عبد اللّه إلى عائشة رضي الله عنهما يستأذنها أن يدفن مع صاحبيه، فلمّا أقبل عبد اللّه قال عمر‏:‏ ما لديك‏؟‏ قال‏:‏ الّذي تحبّ يا أمير المؤمنين، أذنت، قال‏:‏ الحمد للّه، ما كان من شيء أهمّ إليّ من ذلك»‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من رأى مبتلىً فقال‏:‏ الحمد للّه الّذي عافاني ممّا ابتلاك به وفضّلني على كثير ممّن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك البلاء» قال النّوويّ‏:‏ قال العلماء من أصحابنا وغيرهم‏:‏ ينبغي أن يقول هذا الذّكر ‏(‏سرّاً‏)‏ بحيث يسمع نفسه ولا يسمعه المبتلى لئلاّ يتألّم قلبه بذلك إلاّ أن تكون بليّته معصيةً فلا بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من ذلك مفسدةً‏.‏

عاشراً‏:‏ الحمد بعد العطاس

27 - قال النّوويّ‏:‏ اتّفق العلماء على أنّه يستحبّ للعاطس أن يقول عقب عطاسه‏:‏ الحمد للّه، ثمّ قال النّوويّ‏:‏ فلو قال‏:‏ الحمد للّه ربّ العالمين كان أحسن، ولو قال‏:‏ الحمد للّه على كلّ حال كان أفضل‏.‏ لما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي الله تعالى عنهما «أنّ رجلاً عطس إلى جنبه فقال‏:‏ الحمد للّه والسّلام على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر‏:‏ وأنا أقول‏:‏ الحمد للّه والسّلام على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وليس هكذا علّمنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علّمنا أن نقول‏:‏ الحمد للّه على كلّ حال»‏.‏

ويستحبّ لمن سمعه أن يشمّته‏.‏ وأقلّ الحمد والتّشميت وجوابه أن يرفع صوته بحيث يسمعه صاحبه، وإذا قال العاطس لفظاً آخر غير الحمد للّه لم يستحقّ التّشميت‏.‏

هذا في العاطس غير المصلّي‏.‏

أمّا العاطس أثناء الصّلاة ففي حمده تفصيل ينظر في ‏(‏تحميد، و تشميت‏)‏‏.‏

حادي عشر‏:‏ الحمد عند الصّباح والمساء

28 - الحمد عند الصّباح وعند المساء مطلوب ومرغّب فيه شرعاً، لقول اللّه عزّ وجلّ‏:‏

‏{‏وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا‏}‏ وقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ‏}‏ ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من قال حين يصبح وحين يمسي‏:‏ سبحان اللّه وبحمده مائة مرّة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل ممّا جاء به إلاّ أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه» رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من قال حين يصبح‏:‏ اللّهمّ ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشّكر، فقد أدّى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته»‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من قال إذا أصبح‏:‏ لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل، وكتب له عشر حسنات، وحطّ عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات، وكان في حرز من الشّيطان حتّى يمسي، وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتّى يصبح»‏.‏

ثاني عشر‏:‏ الحمد عند موت الولد

29 - الحمد عند فقد الولد مطلوب ومرغّب فيه شرعًا لما ورد عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا مات ولد العبد قال اللّه تعالى لملائكته‏:‏ قبضتم ولد عبدي‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم، فيقول‏:‏ قبضتم ثمرة فؤاده‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم، فيقول‏:‏ ماذا قال عبدي‏؟‏ فيقولون‏:‏ حمدك واسترجع، فيقول اللّه تعالى‏:‏ ابنوا لعبدي بيتاً في الجنّة وسمّوه بيت الحمد»‏.‏

ثالث عشر‏:‏ الحمد إذا رأى ما يحبّ وما يكره

30 - إذا رأى الشّخص شيئاً يحبّه أو شيئاً يكرهه حمد بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحبّ قال‏:‏ الحمد للّه الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات وإذا رأى ما يكره قال‏:‏ الحمد للّه على كلّ حال»‏.‏

رابع عشر‏:‏ الحمد إذا دخل السّوق

31 - عن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من دخل السّوق فقال‏:‏ لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير، كتب اللّه له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيّئة، ورفع له ألف ألف درجة» رواه التّرمذيّ، ورواه الحاكم من طرق كثيرة، وزاد فيه في رواية التّرمذيّ «وبنى له بيتًا في الجنّة» وفيه من الزّيادة‏:‏ قال الرّاوي‏:‏ فقدمت خراسان، فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت له‏:‏ أتيتك بهديّة فحدّثته بالحديث فكان قتيبة يركب في موكبه حتّى يأتي السّوق فيقولها ثمّ ينصرف‏.‏

خامس عشر‏:‏ الحمد إذا نظر في المرآة

32 - يشرع لمن نظر في المرآة أن يحمد اللّه تعالى، فعن عليّ رضي الله تعالى عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر وجهه في المرآة قال‏:‏ الحمد للّه، اللّهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي» وفي حديث أنس‏:‏ «الحمد للّه الّذي سوّى خلقي فعدله، وكرّم صورة وجهي فحسّنها، وجعلني من المسلمين»‏.‏

سادس عشر‏:‏ الحمد إذا ركب دابّته ونحوها

33 - حمد اللّه تعالى عند ركوب الدّابّة ونحوها مطلوب شرعاً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ‏}‏ ولما روي عن عليّ بن ربيعة قال‏:‏ «شهدت عليّاً أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب قال‏:‏ بسم اللّه ثلاثاً، فلمّا استوى على ظهرها قال‏:‏ الحمد للّه، ثمّ قال‏:‏ ‏{‏سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ‏}‏ ثمّ قال‏:‏ الحمد للّه ثلاث مرّات، ثمّ قال‏:‏ اللّه أكبر ثلاث مرّات، ثمّ قال‏:‏ سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت‏.‏ ثمّ ضحك، فقيل‏:‏ يا أمير المؤمنين من أيّ شيء ضحكت‏؟‏ قال‏:‏ رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثمّ ضحك، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه من أيّ شيء ضحكت‏؟‏ قال‏:‏ إنّ ربّك يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي يعلم أنّه لا يغفر الذّنوب غيري»‏.‏

سابع عشر‏:‏ الحمد لمن أكل أو شرب، أو لبس جديدًا، أو قام من المجلس

أو خرج من الخلاء، أو استيقظ من نومه، أو أوى إلى فراشه، أو سئل عن حاله أو حال غيره‏:‏

34 - الحمد مشروع لكلّ واحد من هؤلاء‏.‏ وقد سبق بيان ذلك في ‏(‏تحميد‏)‏‏.‏

ثامن عشر‏:‏ فضل الحمد وأفضل ألفاظه

35 - حمد اللّه تعالى مشروع في المواطن الّتي سبق ذكرها، ومستحبّ في كلّ أمر ذي بال، والحمد لا تكاد تحصى مواطنه فهو مطلوب على كلّ حال وفي كلّ موطن‏.‏ إلاّ المواطن الّتي ينزّه الذّكر عنها‏.‏ وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الحمد منها ما روى أبو هريرة وأبو سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا قال العبد لا إله إلاّ اللّه، الحمد للّه، قال‏:‏ صدق عبدي، الحمد لي»‏.‏

ومنها ما روى جابر رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من قال سبحان اللّه وبحمده غرست له نخلة في الجنّة»‏.‏ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي، فقال‏:‏ يا محمّد أقرئ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غرسها‏:‏ سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر»‏.‏

ومنها ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلمتان حبيبتان إلى الرّحمن خفيفتان على اللّسان ثقيلتان في الميزان‏:‏ سبحان اللّه وبحمده، سبحان اللّه العظيم» ومنها ما روى أبو مالك الأشعريّ رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الطّهور شطر الإيمان، والحمد للّه تملأ الميزان، وسبحان اللّه والحمد للّه تملآن - أو تملأ - ما بين السّموات والأرض»‏.‏

ومنها ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لأن أقول‏:‏ سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر، أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس»‏.‏ ومنها ما روى أبو ذرّ رضي الله تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ أحبّ الكلام إلى اللّه‏:‏ سبحان اللّه وبحمده»‏.‏

36 - وأحسن العبارات في الحمد‏:‏ الحمد للّه ربّ العالمين، إذ هي فاتحة الكتاب العزيز، وآخر دعوى أهل الجنّة، وهي لكونها جملةً اسميّةً دالّةً على ثبوت ذلك للّه تعالى والدّوام له سبحانه وتعالى، وهذا أبلغ من الجملة الفعليّة الدّالّة على التّجدّد والحدوث، وهذا من حكم افتتاح الكتاب العزيز بذلك، أي الإشارة إلى أنّه المحمود في الأزل وفيما لا يزال، وفي قوله‏:‏ ربّ العالمين - أي مربّيهم بنعمة الإيجاد ثمّ بنعمة التّنمية والإمداد - تحريض وحثّ على القيام بحمده وشكره في كلّ وقت وحين‏.‏

37 - ومجامع الحمد‏:‏ الحمد للّه حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، قال النّوويّ‏:‏ قال المتأخّرون من أصحابنا الخراسانيّين‏:‏ لو حلف إنسان ليحمدن اللّه تعالى بمجامع الحمد، ومنهم من قال بأجلّ التّحاميد، فطريقه في برّ يمينه أن يقول‏:‏ الحمد للّه حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده‏.‏ ‏"‏ واحتجّوا لهذه المسألة بحديث منقطع ولذلك قال النّوويّ في الرّوضة‏:‏ ليس لهذه المسألة دليل معتمد ‏"‏ وفي التّحفة‏:‏ لو قيل‏:‏ يبرّ بقوله ‏"‏ ربّنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ‏"‏ لكان أقرب بل ينبغي أن يتعيّن لأنّه أبلغ معنًى وصحّ به الخبر»‏.‏ قالوا‏:‏ ولو حلف ليثنين على اللّه تعالى أحسن الثّناء فطريق البرّ أن يقول‏:‏ لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وزاد بعضهم في آخره‏:‏ فلك الحمد حتّى ترضى، وصوّر أبو سعد المتولّي المسألة فيمن حلف ليثنين على اللّه تعالى بأجلّ الثّناء وأعظمه‏.‏

حمدلة

انظر‏:‏ حمد‏.‏

حمل

التّعريف

1 - من معاني الحمل في اللّغة الرّفع والعلوق، يقال‏:‏ حمل الشّيء على ظهره استقلّه ورفعه، فهو حامل وهي حاملة‏.‏ والحمل بالكسر ما يحمل‏.‏ وحملت المرأة حملاً علقت بالحمل فهي حامل وحاملة‏.‏ وجمعه أحمال وحمال‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ وحملت الشّجرة‏:‏ أخرجت ثمرتها‏.‏ ويطلق الحمل في اصطلاح الفقهاء على هذين المعنيين أيضاً أي حمل المتاع وما في بطن الأنثى من الأولاد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحبل‏:‏

2 - الحبل بفتحتين الامتلاء، ومنه حبل المرأة وهو امتلاء رحمها، فهي حبلى‏.‏ والحبل الحمل‏.‏ ويكون الحبل مصدراً واسماً من حبلت المرأة حبلاً‏.‏ ومنه حديث‏:‏ «نهى عن بيع حبل الحبلة»‏.‏ وهو أن يباع ما في بطن النّاقة‏.‏ وقيل ولد الولد الّذي في البطن‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الحبل مخصوص بالآدميّات، أمّا الحمل فيشمل الآدميّات والبهائم والشّجر، فهو بهذا المعنى أخصّ من الحمل‏.‏‏.‏

ب - الجنين‏:‏

3 - الجنين في اللّغة مأخوذ من جنّ الشّيء بمعنى ستر، ويطلق على الولد ما دام في بطن أمّه، لاستتاره فيه، وجمعه أجنّة‏.‏

أمّا الحمل فيطلق على حمل المتاع، وعلى ثمرة الشّجر، وعلى ما في بطن الأنثى‏.‏

وكلّ ولد في بطن الأمّ فهو جنين،أمّا الحمل فيشمل كلّ ما في بطنها ولو كان أكثر من جنين‏.‏

أحكام الحمل

4 - تقدّم أنّ لفظ الحمل يطلق على ما يرفع باليد، أو على الظّهر من المتاع، وما تحمله الأنثى في رحمها من الجنين‏.‏ وفيما يلي الأحكام المتعلّقة بكلا القسمين‏:‏

أوّلاً‏:‏ الحمل بمعنى‏:‏ ما تحمله الأنثى من ولد

5 - يمرّ الحمل في تكوينه ونموّه بمراحل مختلفة من النّطفة إلى العلقة، ومنها إلى المضغة فإلى العظام، فتكسى العظام لحماً، ثمّ تنشّأ خلقاً آخر، فتبارك اللّه أحسن الخالقين‏.‏

وقد سبق بيان بعض هذه الأدوار في مصطلح‏:‏ ‏(‏جنين‏)‏ وفيما يلي الأحكام الفقهيّة الّتي تتعلّق بمدّة الحمل، وما يترتّب عليها من الآثار، وما يثبت للحمل من حقوق كالنّسب والإرث والوصيّة، وما ينشأ عنه وعن وضعه من الأحكام المتعلّقة بأمّه في العبادات والمعاملات والنّكاح وغيرها، مع إحالة بعض هذه الأحكام إلى مصطلحاتها الأصليّة‏.‏

مدّة الحمل وأثرها في ثبوت النّسب

أقلّ مدّة الحمل

6 - أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر باتّفاق الفقهاء، لما روي أنّ رجلاً تزوّج امرأةً فجاءت بولد لستّة أشهر فهمّ عثمان رضي الله عنه برجمها، فقال ابن عبّاس‏:‏ لو خاصمتكم بكتاب اللّه لخصمتكم، فإنّ اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ‏}‏ فالآية الأولى حدّدت مدّة الحمل والفصال أي الفطام بثلاثين شهرًا، والثّانية تدلّ على أنّ مدّة الفطام عامان فبقي لمدّة الحمل ستّة أشهر‏.‏

وهذه المدّة تحسب من وقت الزّواج وإمكان الوطء عند الجمهور، ومن وقت عقد الزّواج عند الحنفيّة، ومن وقت الخلوة بعد العقد عند الشّافعيّة‏.‏

ولتعيين أقلّ مدّة الحمل آثار فقهيّة، منها‏:‏

أ - إذا ولدت اثنين فأكثر وكان بين وضعهما أقلّ من ستّة أشهر يعتبر الولدان توأمين، فتنقضي العدّة بوضع الثّاني لا بالأوّل‏.‏

وهل يعتبر الدّم بينهما حيضاً أو نفاساً‏؟‏ فيه خلاف وتفصيل ينظر في مصطلحيهما‏.‏

وأمّا لو كان بين وضعهما ستّة أشهر فأكثر كانا بطنين تنقضي عدّتهما بوضع الأوّل‏.‏

ب - إذا أقرّت بانقضاء العدّة ثمّ جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر ثبت نسبه اتّفاقاً‏.‏ لأنّه ظهر عكسه بتعيين، فصارت كأنّها لم تقربه‏.‏ وإن جاءت به لستّة أشهر فأكثر لا يثبت نسبه عند الحنفيّة والحنابلة، لأنّه لم يظهر عكسه فيكون من حمل حادث بعده كما يقول الحنفيّة، ولأنّها أتت به بعد الحكم بقضاء عدّتها وحلّ النّكاح لها بمدّة الحمل فلم يلحق به، كما لو أتت به بعد انقضاء عدّتها بوضع حملها لمدّة الحمل، كما يعلّله الحنابلة‏.‏

وقال المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ يثبت نسبه ما لم‏.‏ تتزوّج أو يبلغ أربع سنين، لأنّه ولد يمكن كونه منه في هذه المدّة وهي أقصى مدّة الحمل، وليس معه من هو أولى منه‏.‏

هذا، ولتحديد أقلّ مدّة الحمل آثار أخرى في اللّعان، والاستلحاق والنّسب، والحيض والنّفاس والعدّة تنظر في مصطلحاتها‏.‏

أكثر مدّة الحمل

7 - اختلف الفقهاء في تحديد أكثر مدّة الحمل، فقال الشّافعيّة وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة وقول عند المالكيّة‏:‏ إنّ أكثر مدّة الحمل أربع سنين، لقول مالك بن أنس‏:‏ هذه جارتنا امرأة محمّد بن عجلان امرأة صدق، وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنةً كلّ بطن في أربع سنين ‏"‏ وما ليس فيه نصّ يرجع فيه إلى الوجود، وقد حكى أبو الخطّاب أنّ محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بقيّ في بطن أمّه أربع سنين وهكذا إبراهيم بن نجيح العقيليّ، وإذا تقرّر وجوده وجب أن يحكم به‏.‏

ولأنّ عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلاّ لأنّه غاية الحمل‏.‏

وقد روي ذلك عن عثمان وعليّ وغيرهما‏.‏

وقال الحنفيّة، وهو رواية عن أحمد‏:‏ إنّ أقصى مدّة الحمل سنتان، وروي ذلك عن عائشة وهو مذهب الثّوريّ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين ولا قدر ما يتحوّل ظلّ عود المغزل» وذلك لا يعرف إلاّ توقيفاً، إذ ليس للعقل فيه مجال، فكأنّها روته عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ والمشهور عن مالك أنّ أقصى مدّة الحمل خمس سنين‏.‏ وقال محمّد بن عبد الحكم‏:‏ إنّ أقصى الحمل تسعة أشهر‏.‏

8- وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما يأتي‏:‏ المطلّقة طلاقاً بائناً والمتوفّى عنها زوجها إذا جاءت كلّ منهما بولد لسنتين فأقلّ ثبت نسبه اتّفاقاً، لأنّ الوضع تمّ ضمن أقصى مدّة الحمل عند الجميع‏.‏ أمّا إذا جاءت بولد لأكثر من ذلك إلى أربع سنين، فالجمهور على أنّه يثبت نسبه وانقضت عدّتها بناءً على أنّ الوضع ضمن أقصى مدّة الحمل عندهم، ولا يثبت عند الحنفيّة لأنّها وضعت بعد أقصى مدّة الحمل‏.‏

وفي المطلّقة الرّجعيّة ذكر الحنفيّة أنّه يثبت نسب ولدها وإن جاءت به لأكثر من سنتين ما لم تقرّ بانقضاء العدّة لاحتمال الوطء والعلوق في العدّة لجواز أن تكون ممتدّة الطّهر‏.‏

وفي الموضوع فروع أخرى تنظر أحكامها في مصطلح‏:‏ ‏(‏نسب‏)‏‏.‏

أثر الحمل في تصرّفات الحامل

9 - الحمل لا يؤثّر في تصرّفات الحامل قبل ستّة أشهر باتّفاق الفقهاء، وكذلك بعد ستّة أشهر ما لم يأت لها الطّلق ‏(‏وجع الولادة‏)‏ عند جمهور الفقهاء‏:‏ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، فتصحّ تبرّعاتها كسائر المعاملات‏.‏

وفي حالة الطّلق تعتبر الحامل كالمريضة مرض الموت‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ الحمل من الأمراض المخوفة بعد ستّة أشهر، لأنّ الحامل تتوقّع الولادة بعدها كلّ ساعة، تنطبق عليها أحكام مرض الموت‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ حامل، ومرض الموت‏)‏‏.‏

أهليّة الحمل

10 - الحمل له أهليّة وجوب ناقصة فتثبت له الحقوق الّتي لا تحتاج إلى القبول كالإرث والوصيّة والنّسب، ولا يجب عليه شيء كالنّفقة وثمن المبيع ونحوهما، وذلك لأنّ الحمل من جهة جزء من أمّه حسّاً، لقراره بقرارها وانتقاله بانتقالها، وحكماً، لعتقه ورقّه ودخوله في البيع بعتقها ورقّها وبيعها‏.‏ ومن جهة أخرى هو نفس تنفرد بالحياة وهو معدّ للانفصال، فلم يكن له ذمّة كاملة بل ناقصة، فهي ثابتة له من جهة الوجوب له لا عليه، كما يقول الفقهاء والأصوليّون وفيما يلي الحقوق الّتي تثبت للحمل‏.‏

أ - النّسب‏:‏

11 - اتّفق الفقهاء على أنّه يثبت نسب الحمل للفراش إذا كان في مدّة يحتملها، إلى ستّة أشهر فصاعداً من وقت النّكاح، أو وقت إمكان الدّخول إلى سنتين، أو أربع سنين من وفاة الزّوج أو طلاق الحامل بائناً حسب ما ذكر في مدّة الحمل، وعلى تفصيل يذكر في مصطلح‏:‏ ‏(‏نسب‏)‏‏.‏

ب - الإرث‏:‏

12 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحمل يرث، وله نصيب في مال مورثه قبل أن يولد، لكنّهم اختلفوا في كيفيّة توريثه‏.‏

فقال الحنفيّة والحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة‏:‏ تقسم التّركة بين سائر الورثة إذا طالبوا بذلك من غير انتظار للولادة، ويدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه، وإلى من ينقصه أقلّ ما يصيبه، ولا يدفع شيء من الميراث إلى من يسقطه الحمل ويوقف للحمل نصيب‏.‏ ويقدّر عدد الحمل واحدًا عند الحنفيّة، لأنّه هو الغالب المعتاد، فيوقف له نصيب ذكر أو أنثى أيّهما كان أكثر‏.‏ وعند الحنابلة يوقف له نصيب اثنين‏.‏

وذهب المالكيّة وهو قول آخر عند الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّ الحمل سبب لتأخير تقسيم التّركة، فيوقف التّقسيم كلّه حتّى تضع الحامل، أو يظهر عدم حملها بانتفاء عدّة الوفاة وليس بها حمل ظاهر‏.‏ وإن قالت‏:‏ لا أدري أخّر الإرث حتّى يتبيّن أن لا حمل فيها بأن تحيض حيضةً، أو يمضي أمد العدّة ولا ريبة حمل بها‏.‏

هذا، واشترط الجميع لإرث الحمل أن يعلم أنّه كان موجوداً حال وفاة مورثه وأن تضعه حيّاً بأن يستهلّ صارخًا فيرث ويورث،لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا استهلّ المولود ورث»‏.‏ وفيما سوى الاستهلال تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث‏)‏‏.‏

ج - الوصيّة للحمل‏:‏

13 - تصحّ الوصيّة للحمل عند عامّة الفقهاء، لأنّها استخلاف من وجه، لأنّ الموصي يجعله خليفةً في بعض ماله، والجنين يصلح خليفةً في الإرث فكذا في الوصيّة، وقيّد الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة صحّة الوصيّة للحمل بالعلم بوجوده حين الوصيّة، بأن ينفصل حيًّا لأقلّ من ستّة أشهر، إذ لو ولد لأكثر من ستّة أشهر احتمل وجوده وعدمه حين الوصيّة فلا تصحّ الوصيّة، وهي تمليك لا يصحّ للمعدوم‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ تصحّ الوصيّة لحمل ثابت أو ما سيوجد، فيوقف إلى وضعه، فيستحقّ إن استهلّ عقب ولادته، فإن نزل ميّتاً أو حيّاً حياةً غير قارّة فلا يستحقّها، وتردّ الوصيّة لورثة الموصي‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

د - الوقف على الحمل‏:‏

14 - قال الحنفيّة وهو الصّحيح المعوّل عليه عند المالكيّة‏:‏ إنّه يصحّ الوقف على من سيولد، أي الحمل، لأنّ الوقف لا يحتاج إلى القبول فيصحّ الوقف للحمل استقلالاً كما يصحّ تبعاً‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يشترط لصحّة الوقف إمكان تمليكه بأن يكون موجوداً حال الوقف في الخارج أهلاً للملك، فلا يصحّ على جنين استقلالاً، كما لا يصحّ تبعاً كأن يقول‏:‏ وقفت على ولدي وحمل زوجتي‏.‏ لكنّه يدخل في الوقف على الذّرّيّة والنّسل والعقب، ولا يدخل فيما لو قال وقفت على الأولاد، لأنّه لا يسمّى ولدًا قبل انفصاله‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يصحّ الوقف على حمل أصالةً، كوقفت داري على ما في بطن هذه المرأة، لأنّه تمليك إذن، والحمل لا يصحّ تمليكه بغير الإرث والوصيّة‏.‏

ويصحّ الوقف على الحمل تبعاً، كأن يقول‏:‏ وقفت على أولادي وأولاد فلان وفيهم حمل، فيشمل الحمل‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ وقف‏)‏‏.‏

هـ - الإقرار للحمل والهبة له‏:‏

15 - يصحّ الإقرار للحمل إن بيّن المقرّ سبباً صالحاً يتصوّر للحمل، كالإرث والوصيّة، كأن يقول‏:‏ عليّ كذا أو عندي كذا لهذا الحمل بإرث ووصيّة‏.‏

وهذا باتّفاق الفقهاء إذا كان الحمل محتمل الوجود وقت الإقرار، بأن لا يولد لأكثر من سنتين عند الحنفيّة أو أربع سنين عند غيرهم‏.‏ وفي صحّة الإقرار للحمل في حالة الإطلاق وعدم بيان السّبب تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏إقرار‏)‏‏.‏

هذا‏.‏ ولا تصحّ الهبة للحمل، لأنّها تمليك يحتاج إلى القبض، والحمل ليس من أهل القبض وتفصيله في مصطلح ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

أثر نقصان أهليّة الحمل

16 - تقدّم القول بأنّ الحمل له أهليّة وجوب ناقصة، لا يجب عليه شيء من الحقوق الماليّة، وقد صرّح الفقهاء بأنّه لا يجب في مال الحمل نفقة الأقارب، ولا يجب ثمن المبيع الّذي اشترى له وليّه، ونحوهما من الواجبات الماليّة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ جنين‏)‏‏.‏

نفي الحمل

17 - لو قال الرّجل لامرأته وهي حامل ليس هذا الحمل - الجنين - منّي لم يجب اللّعان في قول أبي حنيفة، لأنّ الحمل غير متيقّن الوجود فقد يكون انتفاخاً‏.‏

وقال الصّاحبان‏:‏ إن جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر - الّتي هي أقلّ مدّة الحمل - من وقت القذف وجب اللّعان للتّأكّد من وجود الحمل فكان محتملاً للنّفي إذ الحمل تتعلّق به الأحكام‏.‏ ويقول الكاسانيّ‏:‏ ولا يقطع نسب حمل قبل الولادة بلا خلاف بين أصحابنا، أمّا عند أبي حنيفة فظاهر، لأنّه لا يجيز نفيه قبل الوضع‏.‏ وأمّا عند الصّاحبين، فلأنّ الأحكام إنّما تثبت للولد لا للحمل والجنين، إنّما يستحقّ اسم الولد بالولادة‏.‏ ويقول‏:‏ إنّ القذف إذا لم ينعقد موجبًا للّعان لا ينقطع نسب الولد ويكون ابنهما ولا يصدّقان على نفيه، لأنّ النّسب قد ثبت، والنّسب الثّابت بالنّكاح لا ينقطع إلاّ باللّعان واللّعان لم يوجد‏.‏

ويصرّح التّمرتاشيّ وشارحه‏:‏ إن قال الرّجل لامرأته زنيت وهذا الحمل - الجنين - من الزّنى تلاعنا، لوجود القذف الصّريح ولكن لا ينتفي الحمل لعدم الحكم عليه قبل الولادة‏.‏ ويصرّح ابن مودود بأنّه لا ينتفي نسب الحمل قبل الولادة‏.‏

ويجيز مالك في قول نسب إليه اللّعان أثناء الحمل لنفيه والحكم بنفيه بناءً على ذلك، لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه «لاعن بين هلال بن أميّة وبين امرأته وهي حامل» ونفى النّسب عن الزّوج‏:‏ يقول ابن رشد‏:‏ والمشهور عن مالك في نفي الحمل أنّه لا يجب به اللّعان‏.‏ ويقول الخطيب الشّافعيّ‏:‏ إن كان هناك ولد ينفيه ما دام يعلم أنّه ليس منه، لأنّ ترك النّفي يتضمّن الاستلحاق، واستلحاق من ليس منه حرام‏.‏

وإنّما يعلم إذا لم يطأ أو وطئها ولكن ولدته لأقلّ من ستّة أشهر من وطئه، أو لزيادة على أربع سنين - الّتي هي أقصى مدّة الحمل عندهم - فلو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزّنى‏.‏ حرم النّفي لرعاية الفراش‏.‏

وفي مذهب أحمد ينقل ابن قدامة خلافًا في هذه المسألة، فنقل عن الخرقيّ وجماعة أنّ الحمل لا ينتفي بنفيه قبل الوضع ولا ينتفي حتّى يلاعنها بعد الوضع‏.‏

وقال أبو بكر‏:‏ ينتفي الولد بزوال الفراش باللّعان، ولا يحتاج إلى نفي الحمل في اللّعان وقيل‏:‏ يصحّ لعنه قبل وضعه، واختاره ابن قدامة وغيره‏.‏

ونقل ابن قدامة عن ابن عبد البرّ القول بجواز نفي الحمل، وأنّه ينفى بذلك، وأنّ الآثار الّتي تدلّ على صحّة هذا القول كثيرة‏.‏ ولأنّ الحمل مظنون بإمارات تدلّ عليه‏.‏

وصحّح ابن قدامة هذا القول‏.‏ وتفصيل القول في ذلك موضعه مصطلح ‏(‏لعان‏)‏‏.‏

الاستلحاق

18 - قال ابن عابدين في باب الاستيلاد‏:‏ لو أقرّ السّيّد أنّ أمته حامل منه فجاءت به لستّة أشهر من وقت الإقرار ثبت نسبه منه، للتّيقّن بوجوده وقت الإقرار‏.‏

ويعلّل الكاسانيّ ذلك بأنّ الحمل - الجنين - عبارة عن الولد، وإن جاءت به لأكثر من ستّة أشهر لم يلزمه النّسب، لأنّه لم يتيقّن بوجوده وقت الدّعوى‏.‏

لكنّه إن قال في إقراره‏:‏ ما في بطنها من حمل أو ولد منّي لم يقبل قوله إنّها لم تكن حاملاً وإنّما كان ريحاً ولو صدّقته‏.‏ وفي الفتاوى الهنديّة‏:‏ إذا كان لرجل جارية حامل فأقرّ أنّ حملها من زوج قد مات، ثمّ ادّعى أنّه منه فولدت لأقلّ من ستّة أشهر، فإنّه يعتق ولا يثبت نسبه ولو مكث المولى بعد إقراره الأوّل سنةً ثمّ قال‏:‏ هي حامل منّي فولدت ولداً لأقلّ من ستّة أشهر من وقت الإقرار فهو ابن للمولى ثابت النّسب منه‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّه يصحّ استلحاق الحمل - الجنين - ولا يتوقّف ذلك على الولادة في الظّاهر‏.‏ وفي متن خليل وحاشية الدّسوقيّ إنّ الزّوج إن لاعن لرؤية الزّنى وقال‏:‏ وطأتها قبل هذه الرّؤية في يومها، أو قبل ذلك ولم استبرئها بعد ذلك ثمّ ظهر بها حمل يمكن أن يكون من زنى الرّؤية وأن يكون منه، بأن كان لستّة أشهر فأكثر، فللإمام مالك في إلزام الزّوج بالولد والحمل وعدمه أقوال‏:‏ قيل‏:‏ بأنّه يلزمه الولد ولا ينتفي عنه أصلًا بناءً على أنّ اللّعان إنّما شرع لنفي الحدّ فقط، وإنّ عدوله عن دعوى الاستبراء رضاً منه بالاستلحاق‏.‏ وقيل‏:‏ بعدم الإلزام فهو لاحق به ويتوارثان ما لم ينفه بلعان آخر‏.‏ وقيل‏:‏ ينفى باللّعان الأوّل‏.‏ فإن استلحقه بعد ذلك لحق به وحدّ، قال‏:‏ والقول الثّالث هو الرّاجح‏.‏

كما يصرّح الشّافعيّة كما في أسنى المطالب أنّ من استلحق حملًا تعذّر عليه نفيه‏.‏ ويقول الرّمليّ‏:‏ إنّ من سكت على حمل يعلم أنّه ليس منه يكون بسكوته مستلحقًا لمن ليس منه‏.‏ ويقول ابن قدامة‏:‏ إنّ الزّوج إن استلحق الحمل فمن قال لا يصحّ نفيه قال‏:‏ لا يصحّ استلحاقه، وهو المنصوص عن أحمد، ومن أجاز نفيه قال‏:‏ يصحّ استلحاقه، وإذا استلحقه لم يملك نفيه بعد ذلك، ومن قال‏:‏ لا يصحّ استلحاقه قال‏:‏ لو صحّ استلحاقه لزمه بترك نفيه‏.‏ ولا يلزمه ذلك بالإجماع‏.‏

انقضاء العدّة بوضع الحمل

19 - اتّفق فقهاء المذاهب على أنّ الحامل تنقضي عدّتها بوضع الحمل سواء أكانت عن طلاق، أم وفاة، أم متاركة، أم وطء شبهة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ ولأنّ القصد من العدّة براءة الرّحم وهي تحصل بوضع الحمل‏.‏

كما اتّفقوا على أنّ الحمل إذا كان اثنين أو أكثر وكان بينهما أقلّ من ستّة أشهر فالعدّة تنقضي بوضع الأخير لحصول البراءة به‏.‏ وتفصيله في مصطلحي ‏(‏عدّة - حامل‏)‏‏.‏

إخراج الحمل من الحامل الميّت

20 - إذا ماتت الحامل وفي بطنها جنين حيّ، فإن أمكن أن تسطو عليه القوابل وجب ذلك اتّفاقاً، وإن لم يمكن شقّ بطنها عند الحنفيّة والشّافعيّة وبعض المالكيّة استبقاءً لحياة الحمل، خلافاً للحنابلة والمشهور عند المالكيّة، حيث قالوا بعدم جواز هتك حرمة الميّت المتيقّنة لأمر موهوم، لأنّ هذا الولد لا يعيش ولا يتحقّق أن يحيا، كما علّلوها، وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏حامل‏)‏‏.‏

الاعتداء على الحمل

21 - الاعتداء على الحمل إذا تسبّب في إسقاطه ميّتًا ففيه غرّة باتّفاق الفقهاء، وكذلك إذا أسقطته الحامل بدواء أو فعل كضرب‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ غرّة‏)‏‏.‏

أمّا إذا ألقته حيّاً حياةً مستقرّةً ثمّ مات بسبب الاعتداء فدية كاملة خطأً كان الاعتداء أو عمداً‏.‏ وفي رواية عند المالكيّة فيه القصاص إذا كان عمداً‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إجهاض، حامل‏)‏‏.‏

ذكاة حمل الحيوان

22 - إنّ خرج الحمل بعد تذكية الحيوان الحامل وكان كامل الخلقة وغلب على الظّنّ أنّ موته بسبب تذكية أمّه فجمهور الفقهاء على أنّه يحلّ أكله لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ذكاة الجنين ذكاة أمّه»‏.‏

ولأنّه متّصل يتغذّى بغذائها ويباع ببيعها فتكون ذكاته بذكاتها كأعضائها‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يحلّ حتّى يخرج حيّاً فيذكّى، لأنّه حيوان ينفرد بحياة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أطعمة، تذكية‏)‏‏.‏

بيع الحمل واستثناؤه في بيع الحامل

23 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز بيع الحمل وحده أو استثنائه من بيع أمّه، لأنّ من شروط البيع أن يكون المعقود عليه موجوداً مقدور التّسليم فلا يجوز بيع المضامين، والملاقيح أي ما في أصلاب الفحول، وباقي أرحام الأنعام والخيل من أجنّةً، كما لا يجوز بيع حبل الحبلة أي نتاج النّتاج، لما ورد عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة»‏.‏

وأمّا عدم صحّة استثنائه في البيع فلأنّ الحمل مجهول، وباستثناء المجهول من المعلوم يصير الكلّ مجهولاً‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ بيع منهيّ عنه‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ الحمل بمعنى‏:‏ الرّفع

24 - الحمل بمعنى الرّفع له أحكام فقهيّة في البيع والإجارة من حمل المبيع إلى المشتري وحمل المأجور إلى المستأجر ثمّ منه إلى المؤجّر بعد انتهاء العقد، وأجرة الحمل وضمان الحمل ‏(‏المحمول‏)‏، وكذلك حمل المصحف وكتب التّفسير وما إلى ذلك، وتفصيلها في مصطلحاتها، وفيما يلي الكلام عنها إجمالاً‏:‏

أ - حمل المبيع والمأجور‏:‏

25 - ذكر الفقهاء أنّ مطلق البيع يقتضي تسليم المبيع في المحلّ الّذي يوجد فيه، إلاّ إذا اشترط أن يسلّم في محلّ معيّن، وفي هذه الحالة يلزم البائع بحمل المبيع وتسليمه في ذلك المحلّ‏.‏ وذكر في مجلّة الأحكام العدليّة أنّ ما يباع محمولًا على الحيوان كالحطب والفحم تكون أجرة حمله ونقله إلى بيت المشتري جاريةً حسب عرف البلدة وعادتها‏.‏

وبالنّسبة لحمل المأجور ذكروا أنّه إن احتاج ردّ المأجور إعادته إلى الحمل والمؤنة فأجرة نقله على الآجر‏.‏

وجاء في المجلّة‏:‏ يلزم الحمّال إدخال الحمل إلى الدّار لكنّه لا يلزمه وضعه في محلّه‏.‏

مثلاً ليس على الحمّال إخراج الحمل إلى فوق الدّار ولا وضعه في الأنبار‏.‏ أي المخازن‏.‏

ب - ضمان الحمّال‏:‏

26 - ما يحمله الحمّال بإذن المالك يكون أمانةً فلا يضمن بعيبه أو تلفه إلاّ إذا تعمّد ذلك‏.‏ فمن استأجر أجيراً يحمل له شيئاً فحمل له إناءً أو وعاءً فخرّ منه الإناء أو انفلت منه الوعاء فذهب ما فيه لا يكون ضامناً‏.‏

وهذه هي القاعدة في ضمان الأمانات في الجملة، وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏ضمان‏)‏‏.‏

ج - حمل المصحف‏:‏

27 - لا يجوز مسّ المصحف وحمله بغير غلاف متجاف أي غير مشرّز للمحدث حدثاً أكبر أو أصغر عند جميع الفقهاء من المذاهب الأربعة‏.‏

واختلفوا فيما إذا حمله بغلاف‏:‏ فقال الحنفيّة والحنابلة يجوز، ومنعه المالكيّة والشّافعيّة‏.‏ ونهينا عن حمل المصحف وما يجب تعظيمه في القتال، لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى وقوعه في يد العدوّ، وفي ذلك تعريضه لاستخفافهم به، إلاّ في جيش يؤمن عليه فلا كراهة‏.‏

ويجوز حمل المصحف إلى بلد الكفّار إذا دخل إليهم مسلم بأمان إذا كانوا يوفون بالعهد، لأنّ الظّاهر عدم تعرّضهم له في هذه الحالة‏.‏

حمّام

التّعريف

1 - الحمّام مشدّداً والمستحمّ في الأصل الموضع الّذي يغتسل فيه بالحميم وهو الماء الحارّ، ثمّ قيل للاغتسال بأيّ ماء كان ‏"‏ استحمام ‏"‏‏.‏

والعرب تذكّر الحمّام وتؤنّثه، والحمّاميّ صاحبه، واستحمّ فلان‏:‏ دخل الحمّام‏.‏

وفي الحديث‏:‏ «لا يبولن أحدكم في مستحمّه، ثمّ يتوضّأ فيه»‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ‏.‏

أحكام تتعلّق بالحمّام

بناء الحمّام، وبيعه، وإجارته والكسب الحاصل منه‏:‏

2 - ذهب الحنفيّة في الصّحيح من المذهب والمالكيّة والشّافعيّة إلى جواز بناء الحمّام للرّجال والنّساء، إذا لم يكن فيه كشف العورة، ويكره إذا كان فيه ذلك‏.‏

ويجوز أيضاً بيعه وشراؤه، وإجارته وذلك لحاجة النّاس إليه‏.‏ ويجوز أخذ أجرة الحمّام، ولم تعتبر الجهالة في قدر المكث وغيره، لتعارف النّاس، وإجماع المسلمين من لدن الصّحابة والتّابعين، لما ورد‏:‏ «ما رأى المسلمون حسنًا فهو عند اللّه حسن»‏.‏

ولا فرق بين اتّخاذ الحمّام للرّجال والنّساء، إذ الحاجة في حقّ النّساء أظهر، لأنّهنّ يحتجن إلى الاغتسال عن الجنابة والحيض والنّفاس، ولا يتمكّن من ذلك في الأنهار والحياض تمكّن الرّجال‏.‏ وقال اللّخميّ من المالكيّة‏:‏ إجارة الحمّام للنّساء على ثلاثة أوجه‏:‏ جائزة إن كانت عادتهنّ ستر جميع الجسد، وغير جائزة إذا كانت عادتهنّ عدم السّتر، واختلف إذا كانت عادتهنّ الدّخول بالمآزر‏.‏

ويرى الحنابلة وهو قول بعض الحنفيّة‏:‏ أنّ إجارة الحمّام وبيعه وشراءه مكروه‏.‏

قال أبو داود‏:‏ سألت أحمد عن كري الحمّام‏؟‏ قال‏:‏ أخشى، كأنّه كرهه‏.‏ وقيل له‏:‏ فإن اشترط على المكتري أن لا يدخله أحد بغير إزار، فقال‏:‏ ويضبط هذا‏؟‏ وكأنّه لم يعجبه، لما فيه من فعل المنكرات من كشف العورة، والنّظر إليها، ودخول النّساء إليه‏.‏

ولما روي عن عمارة بن عقبة أنّه قال‏:‏ قدمت على عثمان بن عفّان فسألني عن مالي فأخبرته أنّ لي غلماناً وحمّاماً له غلّة‏:‏ فكره له غلّة الحجّامين، وغلّة الحمّام، وقال‏:‏ إنّه بيت الشّياطين، «وسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شرّ بيت»‏.‏

وكسب الحمّاميّ مكروه، وحمّاميّة النّساء أشدّ كراهةً‏.‏ قال أحمد في الّذي يبني حمّاماً للنّساء‏:‏ ليس بعدل، وحمله ابن تيميّة على غير البلاد الباردة، كما ذكر ابن عابدين نقلاً عن الزّيلعيّ‏:‏ أنّ من العلماء من فصّل بين حمّام الرّجل وحمّام النّساء‏.‏

الشّفعة في الحمّام

3 - لا تثبت الشّفعة في الحمّام الّذي لا يقبل القسمة عند جمهور الفقهاء، لأنّ من أصلهم‏:‏ أنّ الأخذ بالشّفعة لدفع ضرر القسمة، وهذا لا يتحقّق فيما لا يحتملها وتثبت في الكبير الّذي يقبل القسمة بشرط أن يتأتّى الانتفاع بالمأخوذ بالشّفعة‏.‏

قال المحلّيّ‏:‏ كلّ ما لو قسم بطلب منفعته المقصودة كحمّام ورحىً صغيرين لا شفعة فيه في الأصحّ‏.‏ ومقابله عند الشّافعيّة - ومثله عند المالكيّة - ثبوت الشّفعة بناءً على أنّ العلّة دفع ضرر الشّركة فيما يدوم، وكلّ من الضّررين حاصل قبل البيع، ومن حقّ الرّاغب فيه من الشّريكين أن يخلّص صاحبه بالبيع له، فإذا باع لغيره سلّطه الشّرع على أخذه منه‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ الشّفعة تثبت في الحمّام فيأخذه الشّفيع بقدره، لأنّ الأخذ بالشّفعة عندهم لدفع ضرر التّأذّي بسوء المجاورة على الدّوام‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏شفعة‏)‏‏.‏

قسمة الحمّام

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من شروط القسمة جبراً عدم فوت المنفعة المقصودة بالقسمة، ولذا لا يقسم حمّام ونحوه عند عدم الرّضا، أمّا عند رضا الجميع فتجوز قسمته، لوجود التّراضي منهم بالتزام الضّرر، فكلّ واحد ينتفع بنصيبه فيما شاء كأن يجعله بيتاً‏.‏ وقيّد بعض الفقهاء عدم جواز قسمة الحمّام بأن يكون صغيراً‏.‏

ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلح ‏(‏قسمة‏)‏‏.‏

دخول الحمّام

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ دخول الحمّام مشروع للرّجال والنّساء‏.‏

وقد دخل خالد بن الوليد حمّام حمص، ودخل ابن عبّاس حمّام الجحفة‏.‏ وكان الحسن وابن سيرين يدخلان الحمّام‏.‏ ولكنّه مقيّد بما إذا لم يكن فيه كشف العورة، مع مراعاة ما يلي‏:‏

6 - إذا كان الدّاخل رجلًا فيباح له دخوله إذا أمن وقوع محرّم‏:‏ بأن يسلم من النّظر إلى عورات النّاس ومسّها، ويسلم من نظرهم إلى عورته ومسّها، وإن خشي أن لا يسلم من ذلك كره له ذلك، لأنّه لا يأمن وقوعه في المحظور، فإنّ كشف العورة ومشاهدتها حرام، لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال «‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر‏؟‏ قال‏:‏ احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه، إذا كان القوم بعضهم في بعض‏؟‏ قال‏:‏ إن استطعت أن لا يرينّها أحد فلا يرينّها‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏.‏ إذا كان أحدنا خالياً‏.‏ قال‏:‏ اللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس»‏.‏ وأن يعلم أنّ كلّ من في الحمّام عليه إزار، قال أحمد‏:‏ إن علمت أنّ كلّ من في الحمّام عليه إزار فادخله، وإلاّ فلا تدخل‏.‏

وقال سعيد بن جبير‏:‏ دخول الحمّام بغير إزار حرام‏.‏ لحديث جابر بن عبد اللّه‏:‏ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل الحمّام بغير إزار، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمّام»‏.‏

وأيضاً روي «من دخل الحمّام بغير مئزر لعنه الملكان» قال ابن ناجي من المالكيّة‏:‏ دخول الرّجل الحمّام على ثلاثة أوجه‏:‏ الأوّل‏:‏ دخوله مع زوجته، أو وحده فمباح، الثّاني‏:‏ دخوله مع قوم لا يستترون فممنوع، الثّالث‏:‏ دخوله مع قوم مستترين فمكروه، إذ لا يؤمن أن ينكشف بعضهم فيقع بصره على ما لا يحلّ‏.‏ وقيل في هذا الوجه‏:‏ إنّه جائز‏.‏

7- إذا كان الدّاخل امرأةً فيباح لها دخوله مع مراعاة ما سبق، وبوجود عذر من حيض أو نفاس، أو جنابة أو مرض، أو حاجة إلى الغسل، وأن لا يمكنها أن تغتسل في بيتها لخوفها من مرض أو ضرر، لما روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إنّها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمّامات، فلا يدخلنها الرّجال إلاّ بالأزر، وامنعوها النّساء إلاّ مريضةً أو نفساء»‏.‏

ولخبر «ما من امرأة تضع أثيابها في غير بيت زوجها إلاّ هتكت السّتر بينها وبين ربّها»‏.‏ ولأنّ أمر النّساء مبنيّ على المبالغة في السّتر، ولما في خروجهنّ واجتماعهنّ من الفتنة‏.‏ فإن لم يكن لها عذر كره لها دخول الحمّام‏.‏

وذكر ابن عابدين نقلاً عن إحكامات الأشباه‏:‏ أنّ المعتمد أن لا كراهة مطلقاً، ثمّ قال ابن عابدين‏:‏ وفي زماننا لا شكّ في الكراهة لتحقّق كشف العورة‏.‏

وفي قول عند المالكيّة‏:‏ إنّما منع دخولهنّ حين لم يكن لهنّ حمّامات منفردة، فأمّا مع انفرادهنّ عن الرّجال فلا بأس، وقال ابن الجوزيّ، وابن تيميّة‏:‏ إنّ المرأة إذا اعتادت الحمّام وشقّ عليها تركت دخوله إلاّ لعذر أنّه يجوز لها دخوله‏.‏

دخول الذّمّيّة الحمّام مع المسلمات

8 - يرى جمهور الفقهاء خلافًا للحنابلة في المعتمد أنّ للمرأة المسلمة إذا كانت في الحمّام مع النّساء المسلمات أن تكشف عن بدنها ما ليس بعورة بالنّسبة إلى النّساء المسلمات، وهو ما عدا ما بين السّرّة والرّكبة‏.‏

وعند بعض الفقهاء يجب عليها في الحمّام أن تستر جميع بدنها لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أيّما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ستر ما بينها وبين اللّه»‏.‏ أمّا الذّمّيّة فليس لها عند الجمهور أن تنظر من المسلمة إلاّ ما يراه الرّجل الأجنبيّ منها، ولهذا نصّ الشّافعيّة على أنّ المرأة الذّمّيّة تمنع من دخول الحمّام مع النّساء، وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجرّاح أنّه بلغني أنّ نساء أهل الذّمّة يدخلن الحمّامات مع نساء المسلمين فامنع من ذلك‏.‏ وحل دونه فإنّه لا يجوز أن ترى الذّمّيّة عريّة المسلمة‏.‏ وقال ابن عبّاس‏:‏ لا يحلّ للمسلمة أن تراها يهوديّة أو نصرانيّة لئلاّ تصفها لزوجها‏.‏

آداب الدّخول إلى الحمّام والخروج منه

9 - من آدابه‏:‏ - أن يسلّم الأجرة أوّلًا أي قبل دخوله، ذكر هذا الشّافعيّة‏.‏

- وأن يقصد بدخوله التّنظيف والتّطهير لا التّرفّه والتّنعّم‏.‏

- وأن يقدّم رجله اليسرى في دخوله، واليمنى في خروجه‏.‏

- ويقصد موضعًا خاليًا، لأنّه أبعد من أن يقع في محظور‏.‏

- ويقلّل الالتفات تجنّبًا لرؤية عورة‏.‏

- ولا يكثر الكلام، ويتحيّن بدخوله وقت الفراغ أو الخلوة إن قدر على ذلك‏.‏

- ولا يطيل المقام، ويمكث فيه مكثاً متعارفاً، وأن يصبّ صبّاً متعارفاً من غير إسراف‏.‏

طهارة ماء الحمّام

10 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يجزئ الغسل والوضوء بماء الحمّام، ويجعل بمنزلة الماء الجاري، لأنّ الأصل الطّهارة فلا تزول بالشّكّ‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّ من أدخل يده في حوض الحمّام وعليها نجاسة، فإن كان الماء ساكناً لا يدخل فيه شيء من الأنبوب، ولا يغترف النّاس بالقصعة، يتنجّس ماء الحوض، وإن كانوا يغترفون من الحوض، بقصاعهم، ولا يدخل من الأنبوب ماء أو على العكس اختلفوا فيه، وأكثرهم على أنّه ينجّس ماء الحوض‏.‏

وإن كان النّاس يغترفون بقصاعهم، ويدخل الماء من الأنبوب، اختلفوا فيه‏:‏ وأكثرهم على أنّه لا ينجّس‏.‏ وأمّا الماء الّذي صبّ على وجه الحمّام ‏(‏أي أرضه‏)‏ فالأصحّ أنّ ذلك الماء طاهر ما لم يعلم أنّ فيه خبثاً، حتّى لو خرج إنسان من الحمّام وقد أدخل رجليه في ذلك الماء، ولم يغسلهما بعد الخروج وصلّى جاز‏.‏

وإذا تنجّس حوض الحمّام فدخل فيه الماء فقد صرّح الحنفيّة أنّه لا يطهر ما لم يخرج منه مثل ما كان فيه ثلاث مرّات، وقال بعضهم‏:‏ إذا خرج منه مثل ما كان فيه مرّةً واحدةً يطهر، لغلبة الماء الجاري عليه، والأوّل أحوط‏.‏

السّلام في الحمّام

11 - لا يستحبّ أن يسلّم على من في الحمّام لأنّ أحواله لا تناسب ذلك، وإذا سلّم عليه فلا يجب الرّدّ، وقيل‏:‏ لا يردّ‏.‏ وقال أحمد‏:‏ لا أعلم أنّني سمعت فيه شيئاً، ويرى بعض الحنابلة أنّ الأولى جوازه من غير كراهة، لدخوله في عموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أفشوا السّلام بينكم» ولأنّه لم يرد فيه نصّ، والأصل في الأشياء الإباحة‏.‏

قراءة القرآن والذكر في الحمّام

12 - ذهب الحنفيّة، والحنابلة إلى أنّ قراءة القرآن في الحمّام تكره، لأنه محل لكشف العورة، ويفعل فيه مالا يحسن في غيره، فيصان القرآن عنه‏.‏

إلا أنّ الحنفيّة قيدوا الكراهة برفع الصّوت، فإن لم يرفع لا يكره وهو المختار عندهم، وحكى ابن عقيل الكراهية عن علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وبه قال أبو وائل، والشعبي ومكحول، وقبيصة بن ذؤيب، وأما إذا قرأ القرآن خارج الحمّام في موضع ليس فيه غسالة الناس نحو مجلس الحمّامي والثيابي فقال أبو حنيفة‏:‏ لا يكره‏.‏ ويكره عند محمد‏.‏

ويرى المالكية والشّافعية عدم كراهية قراءة القرآن في الحمّام وبه قال النخعي‏.‏

13 - وأمّا الذّكر والتّسبيح في الحمّام فلا بأس للمستتر فيه، فإنّ ذكر اللّه حسن في كلّ مكان ما لم يرد المنع منه، ولما روي أنّ أبا هريرة رضي الله عنه دخل الحمّام فقال‏:‏ لا إله إلاّ اللّه‏.‏ وروي عن النّبيّ «أنّه كان يذكر اللّه على كلّ أحيانه»‏.‏

الصّلاة في الحمّام وعليه وإليه

14 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة في رواية إلى أنّ الصّلاة في الحمّام صحيحة ما لم يكن نجساً، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» وفي لفظ‏:‏ «أينما أدركتك الصّلاة فصلّ فهو مسجد»‏.‏

ولأنّه موضع طاهر فصحّت الصّلاة فيه كالصّحراء‏.‏

ويرى الحنابلة في رواية أخرى وهي المعتمد عندهم أنّ الصّلاة في الحمّام لا تصحّ بحال، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الأرض كلّها مسجد إلاّ الحمّام والمقبرة»، ولأنّه مظنّة النّجاسات، فعلّق الحكم عليه دون حقيقته‏.‏ ويصلّى فيه لعذر، كأن حبس فيه، ولم يمكنه الخروج، ثمّ لا يعيد صلاته ولو زال العذر في الوقت وخرج منها، لصحّة صلاته‏.‏ ولا فرق عندهم في الحمّام بين مكان الغسل وصبّ الماء وبين البيت الّذي تنزع فيه الثّياب والأتون، وكلّ ما يغلق عليه باب الحمّام، لتناول الاسم له‏.‏

وعلى هذا الخلاف الصّلاة على سطح الحمّام، لأنّ الهواء تابع للقرار فيثبت فيه حكمه‏.‏

15 - وفي الصّلاة إلى الحمّام قال محمّد‏:‏ أكره أن تكون قبلة المسجد إلى الحمّام، ثمّ تكلّم فقهاء الحنفيّة في معنى قول محمّد هذا فقال بعضهم‏:‏ ليس المراد به حائط الحمّام، وإنّما المراد به المحمّ وهو الموضع الّذي يصبّ فيه الحميم، وهو الماء الحارّ، لأنّ ذلك موضع الأنجاس‏.‏ واستقبال الأنجاس في الصّلاة مكروه‏.‏

وأمّا إن استقبل حائط الحمّام فلم يستقبل الأنجاس وإنّما استقبل الحجر والمدر، فلا يكره‏.‏

قطع من سرق من حمّام

16 - فرّق الحنفيّة بين اللّيل والنّهار‏:‏ فإذا سرق من الحمّام ليلًا قطع، لأنّه بني للحرز، وإذا سرق منه نهاراً لا يقطع، وإن كان صاحبه عنده، لأنّه مأذون بالدّخول فيه نهارًا، فاختلّ الحرز، وما اعتاد النّاس من دخول الحمّام بعض اللّيل فهو كالنّهار‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ من سرق من حمّام نصابًا من آلاته أو من ثياب الدّاخلين يقطع‏:‏ إن كان دخله للسّرقة لا للاستحمام، أو نقب حائطه ودخل من النّقب أو تسوّر وسرق منه سواء كان للحمّام حارس أم لا‏.‏

أمّا إن سرق الحمّام من بابه أو دخله مغتسلاً فسرق لم يقطع لأنّه خائن‏.‏

وعند الحنابلة يقطع سارق الحمّام إن كان للمتاع حافظ، سواء كان صاحب الثّياب المسروقة أو غيره‏.‏ فإن لم يكن لها حافظ فلا يقطع، لأنّه مأذون للنّاس في دخوله، فجرى مجرى سرقة الضّيف من البيت المأذون له في دخوله‏.‏ وإليه ذهب إسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر لأنّه متاع له حافظ‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏سرقة‏)‏‏.‏

حمو

التّعريف

1 - حمو المرأة وحموها وحمها وحماها، أبو زوجها أو أخو زوجها، وكذلك من كان من قبل الزّوج من ذوي قرابته فهم أحماء المرأة، وحماة المرأة أمّ زوجها، وحكى النّوويّ إجماع أهل اللّغة على ذلك‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ الحمء‏:‏ أبو الزّوج، وأبو امرأة الرّجل‏.‏

وقال المحكم‏:‏ وحمء الرّجل أبو زوجته أو أخوها أو عمّها‏.‏

فحصل من هذا أنّ الحمء يكون من الجانبين كالصّهر، وهكذا نقله الخليل عن بعض العرب‏.‏

وقالوا كلّ شيء من قبل المرأة فهم الأختان وقال ابن الأعرابيّ‏:‏ الحماة أمّ الزّوج، والختنة أمّ المرأة، ومن العرب من يبدّل مكان الأختين الأصهار - والعكس - ومن العرب من يجعلهم كلّهم أصهاراً، وهذا على سبيل الغلبة‏.‏

والمعنى الاصطلاحيّ لا يعدو المعنى اللّغويّ‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - النّظر والخلوة بالنّسبة للحمو يختلف باختلاف أحوال الحمو‏.‏

فالحمو المحرم‏:‏ كأبي الزّوج وإن علا، وابن الزّوج وإن نزل، يجوز له النّظر إلى المرأة والخلوة بها، وكذلك أمّ الزّوجة بالنّسبة إلى الزّوج وابنتها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ‏}‏إلى آخر الآية‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم «ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيّب إلاّ أن يكون ناكحاً أو ذا محرم» وإنّما خصّ فيه الثّيّب بالذّكر لأنّها يدخل عليها غالباً، وأمّا البكر فمصونة في العادة، فهي أولى بذلك‏.‏

وقد حكى النّوويّ وغيره الإجماع على تحريم الخلوة بالأجنبيّة، وإباحة الخلوة بالمحارم‏.‏ والمحرم‏:‏ هي كلّ من حرم عليه نكاحها على التّأبيد بسبب مباح‏.‏ انظر ‏(‏محرم‏)‏‏.‏

3 - الحمو غير المحرم كأخي الزّوج وكلّ من يمتّ بقرابة إلى الزّوج، ما عدا المذكورين في السّابق فحكمهم حكم الأجنبيّ في النّظر والخلوة، والسّكن، واستماع الصّوت، وقال في الإنصاف‏:‏ وحرم نظر بشهوة أو مع خوف ثورانها لأحد ممّن ذكرنا‏.‏

وأمّا المسّ فالقاعدة في ذلك أنّه متى حرم النّظر حرم المسّ، لأنّه أبلغ منه في اللّذّة وإثارة الشّهوة‏.‏ ولا يلزم عند الجمهور من حلّ النّظر حلّ المسّ والخلوة كالشّاهد ونحوه‏.‏

خلافاً للحنفيّة فمسّ المحرم لما يحلّ له نظره بغير شهوة جائز كالنّظر‏.‏

والخلوة كذلك سواء في الدّخول على النّساء أو السّكنى لحديث‏:‏ «إيّاكم والدّخول على النّساء‏.‏ فقال رجل من الأنصار‏:‏ يا رسول اللّه أفرأيت الحمو قال‏:‏ الحمو الموت»‏.‏ والحديث محمول على من ليس بمحرم من الأحماء، وقد خرج هذا الكلام مخرج التّغليظ، لأنّه صلى الله عليه وسلم فهم من السّائل طلب التّرخيص بدخول مثل هؤلاء الّذين ليسوا بمحارم‏.‏ ولتفصيل ذلك راجع بحث‏:‏ ‏(‏أجنبيّ، قرابة، استمتاع، اشتهاء، ومحرم‏)‏‏.‏

حميل

ر‏:‏ حمالة، كفالة‏.‏

حمية

التّعريف

1 - الحمية - والحموة أيضاً - في اللّغة المنع، وحمى المريض ما يضرّه‏:‏ أي منعه إيّاه فاحتمى هو‏.‏ ولا يخرج اصطلاح الفقهاء في الجملة عن هذا المعنى‏.‏

الحكم التكليفي

2 - الحمية نوع من التّداوي وهو مشروع‏.‏ لحديث أسامة بن شريك‏:‏ «قالت الأعراب‏:‏ يا رسول اللّه ألا نتداوى‏؟‏ قال‏:‏ نعم عباد اللّه، تداووا فإنّ اللّه لم يضع داءً إلاّ وضع له دواءً إلاّ داءً واحدًا‏.‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه، وما هو‏؟‏ قال‏:‏ الهرم»‏.‏

وقال ابن القيّم‏:‏ الأصل في الحمية‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً‏}‏، فحمى المريض من استعمال الماء لأنّه يضرّه‏.‏ وعن أمّ المنذر سلمى بنت قيس الأنصاريّة رضي الله عنها قالت‏:‏ «دخل علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومعه عليّ بن أبي طالب، وعليّ ناقه من مرض، ولنا دوال معلّقة، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يأكل منها وقام عليّ يأكل منها فطفق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ‏:‏ إنّك ناقه حتّى كفّ، قالت وصنعت شعيراً وسلقاً فجئت به فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ‏:‏ من هذا أصب، فإنّه أوفق لك»‏.‏ وقال زيد بن أسلم‏:‏ حمى عمر رضي الله عنه مريضاً حتّى أنّه من شدّة ما حماه كان يمتصّ النّوى‏.‏ قال ابن القيّم‏:‏ وبالجملة‏:‏ فالحمية من أنفع الأدوية قبل الدّاء فتمنع حصوله، وإذا حصل فتمنع تزايده، وانتشاره‏.‏

ولا يخفى أنّ الحمية يراعى فيها أصول الطّبّ أو التّجربة الصّحيحة ليعرف المريض ما يحتمي منه من الأطعمة وما يحتمي لأجله من الأمراض‏.‏ وينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تداوي‏)‏‏.‏

حنتم

انظر‏:‏ آنية‏:‏ أشربة‏.‏

حنث

التّعريف

1 - الحنث بالكسر في اللّغة‏:‏ الذّنب العظيم، والإثم‏.‏ يقال‏:‏ بلغ الغلام الحنث أي جرى عليه القلم بالطّاعة والمعصية، بالبلوغ‏.‏ وجاء في القرآن الكريم‏:‏ ‏{‏وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ‏}‏‏.‏ والحنث والخلف في اليمين، ففي الأثر‏:‏ «في اليمين حنث أو مندمة»‏.‏ والمعنى أن يندم الحالف على ما حلف عليه، أو يحنث في يمينه فتلزمه الكفّارة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن ذلك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النّقض‏:‏

2 - النّقض ضدّ الإبرام، يقال‏:‏ نقض العهد، واليمين، والبناء والحبل‏:‏ أبطله، وفي المحكم‏:‏ النّقص هو‏:‏ إفساد ما أبرم من عهد أو يمين أو عقد أو بناء‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏‏.‏

وقال جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً‏}‏‏.‏

ب - النّكث‏:‏

3 - هو من نكث اليمين، والعهد نكثًا‏:‏ إذا نقضه، ونبذه، وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ‏}‏‏.‏

ج - البرّ‏:‏

4 - هو في اللّغة‏:‏ الخير والفضل، يقال‏:‏ برّ الرّجل يبرّ برّاً فهو برّ وبارّ‏:‏ أي صادق، وتقيّ، وفي الاصطلاح‏:‏ الموافقة لما حلف عليه، وبرّ في القول واليمين صدق فيهما‏.‏

د - الخلف‏:‏

5 - هو من أخلف الرّجل وعده‏:‏ لم يعرف به، وفي الأثر «آية المنافق ثلاث‏:‏ إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»‏.‏

الحكم التكليفي

6 - لا يغيّر اليمين حال المحلوف عليه عمّا كان عليه قبل اليمين‏:‏ وجوباً، وتحريماً، وندباً، وكراهةً، وإباحةً، وبناءً على ذلك‏:‏ إن حلف على فعل واجب، أو ترك حرام فيمينه طاعة، والإقامة عليها واجبة، والحنث معصية، وتجب به الكفّارة‏.‏

وإن حلف على ترك واجب، أو فعل حرام، فيمينه معصية ويجب عليه أن يحنث ويكفّر عن يمينه عند الجمهور، وتفصيله في ‏(‏أيمان ف / 122‏)‏ وإن حلف على فعل نفل، فالإقامة على ذلك طاعة، والمخالفة مكروهة، وعليه كفّارة بالحنث لخبر‏:‏ «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفّر عن يمينك وأت الّذي هو خير»‏.‏

وإن حلف على ترك نفل، فاليمين مكروهة والإقامة عليها مكروهة‏.‏

وإن حلف على مباح كدخول دار، ولبس ثوب أو تركهما فله أن يقيم على اليمين وله أن يحنث، والأفضل - عند الجمهور وفي الصّحيح عند الشّافعيّة - الإقامة على اليمين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏‏.‏ وفي الجملة إذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها استحبّ له الحنث والتّكفير لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليكفّر عن يمينه وليفعل» ولما فيه من تعظيم اسم اللّه تعالى‏.‏

ما يقع فيه الحنث من الأيمان

7- لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحنث لا يقع إلاّ في اليمين المنعقدة، ثمّ اختلفوا فيما تنعقد عليه اليمين، فاتّفق الفقهاء على أنّ اليمين تنعقد على المستقبل كواللّه‏:‏ لا أفعل كذا، أو لأفعلن كذا ونحو ذلك فيحنث في هذه اليمين بمخالفتها في المستقبل، أمّا على الماضي، كأن يقول كاذبًا، وهو عالم‏:‏ واللّه ما فعلت كذا فذهب الجمهور إلى عدم انعقادها، لأنّ اليمين المنعقدة هي الّتي يمكن فيها البرّ، والحنث ولا يتصوّر البرّ في اليمين على الماضي، لأنّ اليمين للحثّ والمنع، ولا يتصوّر حثّ، ولا منع على ماض‏.‏

فلا يكون الحنث إلاّ في اليمين الّتي قصد عقدها على المستقبل‏.‏

أمّا يمين الماضي، وهي ما يسمّى اليمين الغموس فيستغفر اللّه ولا كفّارة فيها، وقال الشّافعيّة‏:‏ تنعقد على الماضي ويحنث في الحال، وتجب عليه الكفّارة لأنّه حلف باللّه وهو مختار كاذب، فصار كما لو حلف على مستقبل‏.‏

أمّا يمين اللّغو‏:‏ فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا حنث فيها‏:‏ ولكنّهم اختلفوا في صورتها‏:‏ فقيل هي‏:‏ ما يسبق على لسان الرّجل من غير قصد، كأن يقول‏:‏ لا، واللّه، بلى، واللّه‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏أيمان‏)‏‏.‏

سبب وجوب الكفّارة

8 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الكفّارة تجب على من حنث في اليمين المنعقدة، ولكنّهم اختلفوا في سبب الوجوب‏.‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة إلى أنّ سبب وجوب الكفّارة هو اليمين، وأمّا الحنث فيها فليس سببًا في وجوب الكفّارة إنّما هو شرط فيه، وذهب الشّافعيّة إلى أنّ سبب وجوب الكفّارة هو اليمين، والحنث جميعاً‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أيمان - كفّارة‏)‏‏.‏

الكفّارة قبل الحنث

9 - اختلف الفقهاء في جواز الكفّارة قبل الحنث، فقال المالكيّة في المعتمد والشّافعيّة‏:‏ يستحبّ تأخير التّكفير عن الحنث، ويجوز التّكفير قبل الحنث، وقيّد الشّافعيّة ذلك بما لو كفّر بغير الصّوم ولم يكن الحنث معصيةً‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يجوز التّقديم، وإن كانت الكفّارة صومًا، ويستوي التّقديم والتّأخير في الفضيلة، وقال ابن أبي موسى‏:‏ التّأخير أفضل، وعند الحنفيّة وهو غير المعتمد للمالكيّة لا يجوز تقديم الكفّارة على الحنث‏.‏ والتّفصيل في مصطلحي ‏(‏أيمان، وكفّارة‏)‏‏.‏

ما يقع فيه الحنث

10 - الأصل المرجوع إليه، في البرّ والحنث هو اتّباع مقتضى اللّفظ الّذي تعلّمت به اليمين، وقد يقيّد بنيّة تقترن به، أو باصطلاح خاصّ أو قرينة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏أيمان‏)‏‏.‏

وقت وقوع الحنث

11 - لا يقع الحنث في اليمين المطلقة إذا كانت على الإثبات، إلاّ بعد اليأس من البرّ بها، وأمّا الّتي على النّفي فيحنث بمجرّد الفعل عند الجمهور، أمّا عند المالكيّة فيحنث بمجرّد العزم على الضّدّ‏.‏ أمّا المؤقّتة، فيقع الحنث بآخر وقتها، والتّفصيل في ‏(‏أيمان‏)‏‏.‏

حنث النّاسي، والمكره، والجاهل

12 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الحالف إن فعل المحلوف عليه ناسيًا فلا حنث، إذا كانت اليمين بغير الطّلاق، والعتاق، والجاهل عندهم كالنّاسي فلا يحنث بفعله، أمّا المكره فيحنث في الإكراه غير الملجئ ولا يحنث في الإكراه الملجئ‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الأظهر إلى أنّه إذا وجد القول، أو الفعل المحلوف عليه على وجه الإكراه أو النّسيان، أو الجهل فلا يحنث سواء أكانت اليمين باللّه، أم بالطّلاق لخبر «تجاوز اللّه عن أمّتي الخطأ، والنّسيان، وما استكرهوا عليه»‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏إكراه وأيمان‏)‏‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه يحنث بالمخالفة مع النّسيان ولو مع الإكراه، أو الإغماء، أو الجنون ونحوها‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه يحنث بالمخالفة مع النّسيان‏.‏